من يتذكر كارتون توم آند جيري يعرف قصة الفأر جيري الذي ينتصر دائما على القط الكبير توم بأن يعرضه للضرب او السقوط في مقالب خبيثة فيدور رأس القط ويصطدم بأشياء ليسقط مغشيا عليه فيضحك عليه جيري ويذهب متبختراً ليتنعم بالجبنة او النوم الهانئ وينتهي المشهد. لقد جاءت صورة هذا الكارتون في ذهني وانا اراقب احداث الشهرين الماضيين في العراق بما فيها من صدمات وضربات موجعة تصدع رؤوس جميع السياسيين والعراقيين بشكل عام بمختلف اطيافهم وتجعلهم يدورون في حلقة مفرغة من المشاكل والازمات المفتعلة لتشغلهم عن مواجهة فساد الحكومة وتدارك مخططات المالكي للبقاء في السلطة مرة ثالثة.
فلو استعرضنا ماحدث بعد موجة الكشف عن فساد الحكومة وخاصة بعد غرق بغداد والمحافظات وفضيحة مصفى ميسان وفضيحة البسكويت التالف وفشل المالكي في حفظ الامن وفشل حكومته في تقديم الخدمات، كل ذلك مع اقتراب موعد الانتخابات لوجدنا ان المالكي بدأ يشغل كل كتلة من السياسيين بمشكلة معينة تلهيهم ويظلوا يدوروا في فلكها وينشغلوا عن محاسبته فيما يفعل من خروقات دستورية وقانونية تحتم عدم بقائه في السلطة الان وليس بعد الانتخابات لو كان لدينا برلمان حقيقي وقضاء مستقل. كما تراهم لا يدركون مايفعله للسيطرة على سير عملية الانتخابات وكيف ممكن تزويرها بوجود 21 مليون بطاقة انتخابية الكترونية لن يوزع نصفها على الناخبين وبالتالي فان البطاقات الفائضة يمكن استخدامها بسهولة لتعبئة استمارات لصالح المالكي في مراكز مخفية عن الانظار. هذه البطاقات لم تكن ضرورية لكنها وسيلة المالكي للفوز وليس لضمان الشفافية لكنها دليل رسمي على صحة الاستمارة المعبئة. وما عدم تمرير تشكيل لجنة برلمانية لمراقبة الانتخابات الا جزءاً من مخططاته للتلاعب بنتائجها (لو كانت الانتخابات مضمونة الشفافية والنزاهة لماذا يعترض نواب المالكي على تشكيل اللجنة؟ انما لغاية في نفس يعقوب).
وكما نرى اليوم الفخ الذي نصبه لكل الكتل بوضعه امتيازات للحكومة والبرلمان لكي يسقط النواب في فخ التصويت السري ثم فضحهم وتسقيطهم سياسيا امام الشعب والمرجعيات ولا يتصور احد انه مهتم بمن صوتوا بنعم من كتلته فهؤلاء يستطيع استبدالهم بسهولة وما اكثر المنافقين من حوله. وقبل ذلك شغل الاكراد بموضوع تصدير النفط والميزانية المشروطة لكردستان، ونواب متحدون والعراقية والكتل السنية الاخرى منشغلون بقضية اعتقال النائب العلواني وحصار الانبار ومعركة الفلوجة ونزوح اهلها ومعاناتهم. كما اثار حفيضة كل الكتل السياسية عندما اعلن تشكيل محافظات جديدة هو يعلم جيدا انها لن تكون لان القرار غير دستوري. ثم فجر قنبلة البترودولار التي اقتطعها من المحافظات المنتجة للنفط وهو يعلم جيدا انها ستعود لانها مثبتة في قانون المحافظات مما شغل جميع مجالس المحافظات بمواضيع الاقاليم والاقضية والبترودولار والميزانيات القليلة وهلم جرا. فلم يبق شخص فاعل في البرلمان او مجالس المحافظات الا وكان لديه شعور بالخطر من مشكلة تهدد كيانه او موقعه السياسي، هي اصلا غير موجودة الا في تصريحات وقرارات المالكي غير القانونية وغير الدستورية والتي سيلغيها حتما هو او غيره لاحقاً. المهم عنده ان يشغل الجميع الآن عما يخطط ويعمل له للبقاء في السلطة من استخدام مختلف الطرق لكسب ثقة الشارع العراقي من توزيع قطع اراضي ليس من حقه ان يوزعها او ان يقحم الجيش العراقي في معركة وهمية ضد الارهاب وينتصر فيها وهميا ايضا لكسب تأييد الجيش والشعب.
والنتيجة الجميع منشغل عن كل سرقات وفساد حكومة المالكي فلم يحاسب الشهرستاني على فضيحة مصفى ميسان بل انه مستمر في اهدار ثروات العراق النفطية وزيادة الانتاج بدون ستراتيجية واضحة لاستثمار الثروات للاجيال القادمة وهذا موضوع لا ينتبه اليه احد، ولم يحاسب وزارء الغفلة على فضيحة البسكويت ولا امين بغداد على غرقها ولا قصف المدنيين العزل في الانبار ولا سيطرته على القضاء ومفوضية الانتخابات وبالتالي سيطرته الكاملة على مقدرات البلاد.
والله اني اراه يجلس في كرسيه نهاية كل يوم يضحك ملئ شدقيه على باقي السياسيين وهم غافلون عما يدبره لهم ولنفسه. لكن الذي لست متأكدة منه هل ان ذكاءه المحدود يقوده لفعل ذلك ام ان شياطين امريكا وايران تفكر وتخطط لكل ما يقوم به لكي تصل بالعراق الى ما وصل اليه من انحطاط وتدمير.
كان الله في عونك يا عراق