لا نجافي الحقيقة إذا قلنا بلا كيد ولا أيد إن الرئيس الراحل صدام حسين أثناء فترة حكمه كان محور استقطاب سياسي عالمي، أثار اهتمام وسائل الإعلام العالمية، وحاز إعجاب مناصريه ومناوئيه، وليس في الشرق أو الغرب من لا يعرفه، ولقد وجدت خلال سفراتي ولقائي مع الناس أنهم أحيانا لا يعرفون العراق رغم شهرته وانجازاته الإنسانية وتاريخه وتراثه العريق إلا إذا قلت لهم صدام حسين، فيفتح السائل فاه إكبارا وإعجابا، ويعرف من أين أنا.
لا أزعم بهذا تنزيه صدام فمن يبحث يحصي الأخطاء والأعداء. ولكن رغم وصفه بالقوة والتحكم والجبروت أحيانا يظل موضع حسد منافسيه بسماته القيادية، وقد جمعتني طاولة عشاء أسري مع رئيس وزراء دولة شقيقة، معروف بجرأته ونكتته مع الرؤساء، وجذبه الحديث أن يروي مقابلة له مع صدام، قال أثناء حديثي إليه نظر إليّ بطريقة (مثلها بحركة درامية) أربكتني وجعلتني أفكر بعيدا عما أنا فيه، وقلت لنفسي، ما يريد بهذه النظرة التي جعلتني أهابه وأخشاه على نفسي؟ والله على ما أقول شهيد.
ويبدو أن السيد المالكي استلم وظيفته قائدا للقوات المسلحة وهو يواجه عقدة نفسية سيطرت على وعيه الباطن، هي عقد صدام حسين، الذي يتمتع عربيا وعالميا بكرزما قوية، حزما وقوة شخصيته وصلابة مواقف، ومما زاد قلق المالكي وتوتره مقارنة الصحافة العالمية والمعلقين السياسيين دائما بين حال العراق في العهدين وبين شخصية المسؤولين القياديين، فيجمع الصديق والعدو، المنتفع والمتضرر، على ترجيح كفة صدام بفارق كبير لا يسمح بالمقارنة، فتزداد ضغوط المالكي النفسية ويشتد توتره، فتراه يندفع لاتخاذ قرارات غريبة متشنجة مثيرة، وتصرفات متناقضة بفعل الشد العصبي فأوصل العراق بدكتاتوريته وانحيازه الطائفي المتطرف إلى تردي الأوضاع وفقدان الأمن وشيوع الفوضى والفساد، وتورط بجرائم ضد الإنسانية باعتماد قوات جيش وأمن غير مهنية ينقصها التدريب والأمانة في فض تجمعات الزرقة وظلت نتائج التحقيق غامضة، وأخيرا فض اعتصام الحويجة وقتل عشرات الأبرياء، وتنفيذ الإعدامات بمحاكمات صورية وقضاة مسيسين وباعترافات وهمية تحت التعذيب، وإقصاء رفاقه في العملية السياسية وتصفيتهم والاستعانة بمفسدين جهلة وتصرفات يريد بها لفت النظر إلى أنه القوي المطاع القادر.
المالكي يرى في قرارة نفسه انه يشبه صدام في مراحل نشأته وتكوينه ويريد بكل وسيله أن يتزيا بزيه ويتقمص شخصيته ولو بنسبة القطرة إلى البحر، بيد أن الظروف تعاكسه ويخفق دائما، وكلما تقدم خطوة تراجع إلى الوراء خطوات. ويحز الفشل في نفسه ويؤذيه.
وقد يكون صدام والمالكي تربيا في وسط شعبي وعاشا حياة الفاقة والحاجة وانتميا إلى حزبيهما مبكرا وارتادا المغامرة والإبعاد والترقب زمنا، أوصلهما إلى السلطة، لكن التجارب والطموحات مختلفة تماما، وليست كافية لجعل المالكي صداما، المالكي وإن زعم لنفسه الشجاعة والجرأة ليس له مؤهلات الرئيس صدام وثقافته ولا مقومات الولاء والانتماء القومي العربي الذي اكسبه الاحترام على عكس ولاء المالكي الأعجمي الذي اكسبه العزلة، وليس للمالكي ثقافة صدام ولا معاناته مع تجارب السجن، ومقارعة قوات الأمن ومطاردتها، ولا قوة الشخصية والاستقلالية في الاعتماد النفس بالمواقف الحاسمة والمقابلة وجها لوجه سواء بالسلاح أو الحجة، صدام عرفه الناس وخبروه وكسب ثقتهم قبل وصوله إلى الحكم الذي وصل إليه المالكي مغمورا.
المالكي لم يدرك أن شهرة صدام سبقته إلى الرئاسة، وان صدام حينما كان نائبا للرئيس البكر رحمه الله كان يشاركه في انجازاته القومية والوطنية، وكادت تطغى شخصيته على شخصية الرئيس البكر المعروف هو الآخر بشجاعته وحنكته، فالعراق في عهد البكر وصدام دعم للأردن وسوريا ومصر في معارك الأمة المصيرية بما يستحق الفخر، وقاما بتأميم النفط وحماية ثروات العراق، وشرع التعليم المجاني وتكونت قاعدة علمية رصينة، وأرسيا مشروع ضمان صحي معتبر، واتسعت شبكة الطرق المعبدة، وشهد العراق نهضة اقتصادية وصناعية وعلمية وازدهارا ونموا لمسه العراقيون، وأثار حسد الدول الكبرى وحنقها على العراق فدبرت له كمائن الحرب مع إيران، ومكيدة دخول الكويت.
صدام حارب الفساد الذي استشرى في عهد المالكي وأصبح طرفا فيه، صدام استطاع ضبط الوسط الاجتماعي وحقق أمنا وطنيا واجتماعيا داخليا بين طوائف سنة وشيعة والكرد والمسيحيين ومع خوض الحروب الخارجية تمتع الجميع رغم تعدد التركيبة بالتآخي والوئام. ولم يستطع المالكي على مدى ثماني سنوات أن يحافظ على وحدة الشعب الوطنية ولا تحقيق الأمن وأشاع الفساد والحرب الأهلية بحماقته، وبطائفيته وضع البلد تحت هيمنة النفوذ الفارسي، وأقصته عن محيطه العربي وأصبح العراق مهددا بالتجزئة والانقسام، وتمسك المالكي بالسلطة وتصوره أن يستطيع حكم العراق كما حكمة صدام سيوقعه في التخبط والأخطاء الجسيمة ويجر على البلاد وعلى المالكي الوباء والبلاء والويلات.