بعد أن أصبحت نهاية نظام بشار الأسد قاب قوسين أو أدنى تتسارع وتيرة العمل بالنسبة لروسيا وإيران لإيجاد بديل عنه يكون في استطاعته تقديم ما كان نظام البعث السوري يقدمه للجانبين من خدمات كبيرة سواء من الناحية الاقتصادية أو السياسية , وإذا أخذنا مسيرة الواقع السياسي في العراق نرى أن الظروف أصبحت مواتية تماما في أن تحقق هاتين الدولتين ما يصبوان إليه من دور لنظام المالكي في المنطقة.. فروسيا المتطلعة إلى لعب دور دولي تحاول الدفاع عن مواطئ أقدامها الباقية في المنطقة , فتساقط معاقلها في ليبيا وعراق صدام حسين وأخيرا في سوريا تدفعها إلى الاندفاع بشكل كامل لفتح قنوات دبلوماسية ساخنة مع الحكومة العراقية متمثلة بالمالكي , لا سيما وان تقاطع مصالح إيران وروسيا في المنطقة تجعل من العراق هي نقطة الالتقاء المثالية للطرفين بما يمتاز به النظام الحالي فيه من أفكار مذهبية تجعله يرتمي إلى الحضن الإيراني وتبتعد عن الحضن الأمريكي الذي أتى به للحكم وبالتالي فان العلاقات المميزة بين إيران وروسيا تجعل من إمكانية إنشاء حلقة ثلاثية إيرانية عراقية روسية أمرا ممكنا بشكل كبير .
هنا يجب علينا أن نتساءل ,,, هل هناك مصلحة للعراق كدولة من التحالف الجديد هذا ؟ أم هي لمصلحة المالكي الشخصية للبقاء أطول مدة على سدة الحكم في العراق؟
كما قلنا إن المالكي أتى للحكم بقطار أمريكي بحت ولكن ولغباء الإدارة الأمريكية الحالية وعدم درايتها الكافية للتعامل مع الملف العراقي فقد قامت بأخطاء فادحة جعلت من إيران تتحكم بالشأن العراقي بشكل كامل لاسيما وان الأغلبية الشيعية السياسية في العراق مستعدة في الأساس للارتماء في الحضن الإيراني لأسباب لا مجال لشرحها هنا خصوصا وان المالكي استطاع أن يلعب على التناقضات الإيرانية الأمريكية بشكل يجعل من الطرفين حريصين على بقائه في الحكم ويفضلونه على أي سياسي عراقي آخر .
فقد استطاع المالكي تلبية متطلبات المصالح الأمريكية والتي تتلخص بالحفاظ على المصالح الاقتصادية أكثر من أي متطلبات أخرى في الوقت الذي أصبحت الاتفاقية الأمنية بين العراق وأمريكا الحبل الذي شنقت به أمريكا نفسها فانسحبت القوات الأمريكية على ضوء هذه الاتفاقية ومن ناحية أخرى أبقى الباب مشرعا لإيران للتصرف كما يحلو لها في الشأن العراقي وسيطرتها الأمنية والسياسية على العراق وتلبية طموحها بان يكون العراق هي الساحة المفتوحة لها للانطلاق عبرها للتآمر على امن وسلامة الدول العربية وخاصة دول الخليج العربي , وبذلك فقد استطاع المالكي جمع الضدين الأمريكي والإيراني في سلة واحدة.
والمالكي يعي جيدا أن البقاء في منتصف الطريق بين أمريكا وإيران قد يكون ممكنا لبعض الوقت ولكن من الصعب الاستمرار في هذا الوضع كل الوقت , وما جعل البقاء في منتصف الطريق مستحيلا الآن هي الثورة السورية وحتمية اتخاذ موقف محدد منها ومن المعسكرين الأمريكي أو الإيراني , وبما أن المالكي يعتمد في شعبيته على الشارع العراقي الشيعي فيظهر أن إيران هي المرشحة لان تكون الدولة التي سوف يضحي من اجلها المالكي بعلاقاته مع أمريكا , وهذا ما يحاول البدء به من الآن وذلك بمحاولاته الانفلات من الضغوطات الأمريكية التي لم يبق منها سوى الجانب ألتسليحي الذي نصت عليه الاتفاقية الأمنية بين الطرفين , وحتى نقطة تسليح الجيش العراقي هي نقطة غير ملزمة للجانب العراقي ما جعل المالكي طليق اليد في التقرب من الطرف الإيراني أكثر وأكثر خصوصا بعد قيام الثورة السورية .
وقد شحذت الأزمة السورية الجهد الإيراني مع الجهد الروسي للوقوف بجانب بشار الأسد مما جعل المالكي يلتقي مع أجندات الدولتين في هذا الموضوع و بالنسبة لروسيا فان المالكي يمثل لها المرشح الأوفر حظا ليحل محل بشار الأسد مستقبلا , فقطع امتداد النفوذ الأمريكي عند البوابة العراقية يعني لها الكثير خصوصا بعد امتداد اليد الغربية والأمريكية لإخراج جمهوريات الاتحاد السوفيتي من الكماشة الروسية وسترحب بأي محاولة تقارب يقوم بها المالكي أيا ما كانت أهدافه . فالزيارة التي من المزمع أن يقوم بها المالكي لروسيا ستشكل انعطافة تاريخية للعلاقات بين البلدين والتي يتوقع منها أن تتسارع وتيرتها في المرحلة القادمة بنفس تسارع وتيرة فعل الثورة السورية . ومن الطبيعي أن روسيا لا تملك أية شروط للبدء بهذه العلاقة بعكس طرف المالكي الذي يستطيع فرض شروط كثيرة على روسيا سواء اقتصادية أو حتى سياسية . وإذا ضمن المالكي التأييد الروسي فان هذا يعني انه قد كسب الجولة , وحينها يستطيع اللعب بأوراق كثيرة سواء على الجانب الأمريكي أو الروسي , وبما أن المشتركات بين المالكي من جهة وإيران وروسيا هي أكثر من المشتركات بين المالكي وأمريكا إذا فان إمكانية ابتعاد المالكي عن أمريكا والاقتراب من روسيا هي أكثر احتمالا من اقترابه من أمريكا..
كل الاحتمالات تشير إلى أن انتصار الثورة السورية سوف تعني إيذانا بتغيرات كثيرة في المنطقة تبدأ بسيطرة المالكي تماما على الداخل العراقي يتبعها دخولا كليا للمالكي ضمن المعسكر الإيراني الروسي مما سيشكل تكوين حلف إقليمي جديد يصعب من خلالها على أمريكا أن تتحرك بردة فعل قوية ضده , فأمريكا لا تمتلك القدرة مرة أخرى لشن حرب جديدة في العراق لإزاحة المالكي , وكذلك فان المالكي لن يقطع شعرة معاوية بينه وبين أمريكا إلا بعد أن ينتهي من القضاء على خصومه السياسيين في العراق الأمر الذي لن يكون لأمريكا حينها خيار للضغط سياسيا عليه عبر خصومه هؤلاء ولن يكون أمام أمريكا إلا أن تعالج وبغبائها المزمن نتائج هذه التطورات وليست التطورات نفسها كما هي حالها دائما .
إن تغير النظام السوري ومجيء نظام يكون له علاقات طيبة مع دول الخليج وتركيا يعني إمكانية مرور الغاز من الخليج عبر سوريا إلى تركيا وأوروبا , مما يعني ضربة قوية جدا لروسيا وعلى تدفق الغاز منها ومن جمهوريات الاتحاد السوفيتي القديم إلى أوروبا . وبعد زوال نظام بشار الأسد فلن يبقى أمامها إلا الإبقاء على الوضع السوري بعد الثورة هشا لإبقاء تدفق الغاز من روسيا وجمهوريات الاتحاد السوفيتي القديم إلى أوروبا وهذا لن يتحقق إلا بالتعاون بينها وبين إيران واذرعها في المنطقة المتمثلة في المالكي و حزب الله لتعكير الوضع السوري امنيا وسياسيا وهكذا فان أسهم المالكي سوف تتصاعد عند روسيا ويجعله أكثر أهمية من نظام بشار الأسد . . فمثلما تدافع روسيا عن بشار الأسد الآن وتمنع رحيله فإنها ستكون أكثر دفاعا عن المالكي فيما إذا أرادت أمريكا أو أي جهة أخرى عربية أو غير عربية إزاحته وقد يكون دفاع روسيا عن المالكي مستقبلا أشرس من دفاعها عن بشار الأسد .