23 ديسمبر، 2024 8:45 ص

المالكي وخرق الدستور

المالكي وخرق الدستور

لأبي العلاء المعري بيت شعر يصف جور الزمان على الإنسان الذي لايملك من أمره شيئا يقول فيه:

تحطمنا الأيام حتى كأننا زجاج ولكن لا يعاد له سبك

أما من يجني على نفسه بسوء صنيعه وخطل تصرفاته وعدم اتزان شخصيته فالمثل يقول: على نفسها جنت براقش.

وما بين قول المعري والمثل المذكور نجد أن شخصا مثل نوري المالكي وما آل إليه حاله اليوم أصبح يضع قدما هنا وأخرى هناك في مشهد تراجيدي اكبر من قدراته الفكرية والشخصية بكثير، فهو في تفكيره المحدود ونوازعه الشخصية العليلة لم يجد ما يرد به على قرار رئيس الجمهورية بتكليف شخص آخر من حزبه وكتلته برئاسة مجلس الوزراء سوى التذرع بالدستور واتهام الرئيس بخرق الدستور حتى بلغ عدد مرات تكرار هذه الكلمة منذ تكليف العبادي حتى خطاب انصياع المالكي مرغما لقرار رئيس الجمهورية بحدود (203) مرة، وهو الذي شهدت مدة توليته اكبر واخطر التجاوزات على الدستور والنصوص الدستورية والقوانين النافذة. وبنظرة سريعة الى مواد الدستور التي انتهكت من قبل المالكي خلال مدة توليه منصبه يمكننا أن نحدد ابرز ملامحها على وفق الآتي:

أكدت المادة (9) من الدستور على أن لا تكون القوات المسلحة والأجهزة الأمنية أداة لقمع الشعب العراقي، في حين استخدم المالكي هذه القوات والأجهزة للقمع والقتل والاعتقال وزجها في مذابح للعراقيين في جنوب ووسط وشمال العراق، بدأها بمذبحة الزركة ومرورا بالبصرة والفلوجة والرمادي ومازال، ووصولا الى الموصل وتكريت وديالى وكركوك، ولم يتورع عن استعمال كل أدوات القتل بما فيها البراميل المتفجرة.

كما نصت المادة نفسها على حضر تكوين المليشيات العسكرية خارج إطار القوات المسلحة. فماذا فعل المالكي؟ لقد قام بتشجيع ورعاية تشكيل المليشيات ودعمها بالأسلحة والمعدات والعجلات وأجرى عليها الرواتب والامتيازات على الرغم من أفعالها المشينة في القتل والخطف والتهجير واستباحة المحرمات حتى أصبحت الوحدات العسكرية ومنتسبيها من ضباط وجنود تخشى منها وتتجنب الاحتكاك بها الأمر الذي شجع أفراد هذه العصابات على التجاوز على ضباط الجيش من مختلف الرتب.

وتنص المادة (17) من الدستور في الفقرة (ثانيا) على: “حرمة المساكن مصونة، ولا يجوز دخولها أو تفتيشها أو التعرض لها إلا بقرار قضائي ووفقا للقانون”. ويعرف كل العراقيين أن المالكي ضرب بهذه الفقرة عرض الحائط، فكل منزل في العراق من دون استثناء (ماعدا أتباع المالكي بالطبع) تعرض للمداهمة والتفتيش من قبل وحدات المالكي العسكرية بدون أمر قضائي أو أي اعتبارات قانونية، ولم تراع أية حرمة وارتُكبت أفعال يندى لها الجبين.

أما عن القضاء فقد أكدت المادتان (19) و (88) على استقلاله ولا سلطان عليه لغير القانون ولا يجوز لأية سلطة التدخل في القضاء أو شؤون العدالة. وعلى الرغم من كل ما أكده الدستور إلا أن المالكي لم يتورع عن فرض ما يشاء على القضاة، ووجد في بعض ضعاف النفوس منهم من يلبي له رغباته ويوفر الغطاء القانوني زورا وبهتانا الأمر الذي الحق إساءة بالغة بالقضاء العراقي ونزاهته، إذ أصبح يدا للحاكم في فرض سطوته واستبداده والانتقام من معارضيه وخصومه، ومن ابرز الشواهد القضايا الملفقة ضد نائب الرئيس طارق الهاشمي وموظفي مكتبه وأفراد حمايته وتكرر الأمر نفسه مع وزير المالية رافع العيساوي والنائب احمد العلواني.

ولم يسلم المال العام من عمليات السطو المنظمة وغير المنظمة في عهد المالكي من قبله شخصيا ومن شلة المنتفعين حوله حتى أصبح العراق مضرب المثل في الفساد الإداري والمالي بشهادة المنظمات الدولية وأولها منظمة الشفافية، كما قام المالكي بحماية الفاسدين

من الذين أصبحت رائحة فسادهم تزكم الأنوف، وهذا كله انتهاك وخرق صريح لما نصت عليه المادة (27) من الدستور التي أكدت “للأموال العامة حرمة”.

وشددت المادة (37) على أن حرية الإنسان وكرامته مصونة، ولا يجوز توقيف احد أو التحقيق معه إلا بموجب قرار قضائي، كما حرمت المادة نفسها جميع أنواع التعذيب وعدم التعويل على أي اعتراف انتزع بالإكراه أو التهديد أو التعذيب. وعلى الرغم من هذه النصوص الدستورية الصريحة والواضحة، إلا أنها لم تجد أذنا صاغية أو حتى التفاتة بسيطة، بل شهدت المعتقلات والسجون انتهاكات صارخة وارتكبت أفعال شنيعة بحق المعتقلين وطرق مبتكرة للتعذيب والاهانة والقتل وانتزعت الاعترافات انتزاعا، حتى أصبح المعتقل يقوم بالتوقيع على أية اعترافات يقدمها له ضباط التحقيق أملا في انتهاء حفلات التعذيب الجنونية والسادية، في سابقة لم يشهدها تاريخ العراق، بل فاقت في همجيتها أساليب أكثر أنظمة الاستبداد التي شهدها تاريخ البشرية.

وفي محاولة من المالكي للسيطرة وفرض النفوذ وتأمين موقعه أقدم على التدخل في عمل الهيئات المستقلة وربطها به شخصيا مثل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات وهيئة النزاهة والبنك المركزي العراقي وديوان الرقابة المالية التي أكد الدستور على استقلاليتها وارتباطها بمجلس النواب كما نصت المادتان (102) و (103).

وبذلك فقد حنث نوري المالكي بالقسم الذي نصت عليه المادة (50) من الدستور، إذ اقسم على رعاية مصالح الشعب وصيانة الحريات العامة والخاصة واستقلال القضاء والالتزام بتطبيق التشريعات بأمانة وحياد.

وعليه يصبح المالكي تحت طائلة القانون لكل ما ارتكب من جرائم بحق العراقيين والدولة والدستور، ولعل من سخريات القدر أن يتذرع بالدستور في أخريات أيامه للاستمرار بالسلطة

لأربع سنوات أخرى من دون خجل أو إحساس بالذنب على ما جنت يداه وما ارتكبه من خطايا وجرائم كبرى.

ولكي يستعيد العراق وجهه وملامحه ومكانته لابد من إحالة نوري المالكي الى القضاء لينال جزائه العادل، وإنصافا لضحاياه، وليعلم أمثاله أن الشعب العراقي بالمرصاد لكل من تسول له نفسه أن يتجاوز حدوده ويفتري على الناس والدولة مهما امتلك من سلطة وسطوة واستبداد. وبخلاف ذلك سيلحقنا العار ابد الدهر ولن نكون أبناء اصلاء لشعب الرافدين الذي علم الإنسانية الحرف والمحراث.