23 ديسمبر، 2024 11:53 ص

المالكي وخارطة التحالفات السياسية

المالكي وخارطة التحالفات السياسية

تشكيل الحكومة القادمة تحتاج الى مزيد من الوقت، وهو ما يطرح العديد من التساؤلات والاستفسارات حول هل يمكن ان يتغلب البرلمان القادم على فكرة المحاصصة الطائفية؟، ويسعى الى تشكيل حكومة شراكة وطنية يكون هدفها الاول إنجاح عمل البرلمان وتلبية المطالب الشعبية، خاصة في ظل فشل مبدأ التوافقية في إدارة البيت السياسي الداخلي العراقي، وهو ما يطرح سيناريو أكثر احتمالا في المرحلة المقبلة المتعلق ببقاء التحالف الوطني الشيعي لتكوين الكتلة البرلمانية الاكبر، والتفكير في اسماء اخري كبدائل لنوري المالكي خاصة في ظل استمرار اعتراض كتلة الاحرار لتولي المالكي الولاية الثالثة”اعلنها التيار رسميا”، وكتلة المواطن على أسم المالكي، رغم التصريحات “المطاطية” لعمار الحكيم اي ان عمار الحكيم لم يقول بشكل حاسم “لا ولاية ثالثة “للمالكي ، اما في حالة تمسك ائتلاف دولة القانون بترشيح نوري المالكي لرئاسة الوزراء، فسيزيد تأزيم الاوضاع طائفيا وسياسيا، وهو ما قد ينذر بان يشهد العراق مزيدا من الاضطرابات السياسية في ظل معرفة المواطن العراقي بهذه الصراعات التي تسعي لتحقيق مصالح فئوية، وتدفع الاوضاع في العراق الي دائرة رياح الثورات والتظاهرات على أمل البحث عن بديل وطني جامع يعبر عن آمال وطموحات الشعب العراقي.

كما ان  النتائج التي أفرزتها الانتخابات البرلمانية العراقية التي جرت في الثلاثين من نيسان الماضي ، لم تتضح أي إمكانية لأي طرف بتشكيل الحكومة منفردا. ومع أن التحالف الوطني الشيعي يتمكن من الناحية النظرية بتشكيل حكومة أغلبية في العراق، لكنها سوف تكون أغلبية طائفية وليست سياسية مثلما يدعو إليها المالكي، بالإضافة إلى أنها مرفوضة من خصميه الشريكين داخل هذا التحالف، وهما التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر، والمجلس الأعلى الإسلامي بزعامة عمار الحكيم، واللذان يسعيان إلى تشكيل حكومة «شراكة قوية».

وإذا كانت قوى الائتلاف الشيعي تتقاذف الكرة الآن، سواء لجهة مفهوم الأغلبية أو المرشح لرئاسة الوزراء الذي يجب أن يكون طبقا لما بات عليه عرفا سياسيا في العراق من الطائفة الشيعية، وهو ما يعكس خريطة ملتبسة داخل اللون المذهبي الواحد، فإن المفارقة اللافتة للنظر أن الخريطة السياسية لدى الكتل والقوائم الأخرى لا تقل التباسا. ولعل السبب في ذلك هو النتائج التي أفرزتها الانتخابات. ففي الوقت الذي كان فيه خصوم المالكي من الشيعة والسنة يتمنون خسارته أو في الأقل تراجعه إلى ما لا يسمح له بالمنافسة على منصب رئاسة الوزراء الذي تولاه مرتين من قبل، وبالتالي يخطف خصومه داخل البيت الشيعي الولاية الثالثة منه، فإن النتائج أفرزت عكس ما اشتهت سفن الخصوم. لكن ما يبدو وكأنه انتصار للمالكي الذي يرى خصومه أنه وظف المال والسلطة والنفوذ لصالح حملته الانتخابية، فإنه لا يكفي لتشكيل الحكومة.

وطبقا للتضاريس السياسية في العراق والتي يتداخل فيها المذهبي بالعرقي بالمدني فإنه في الوقت الذي تبدو فيه الخريطة السياسية موزعة على هذه المعالم الرئيسة، فإن التشظي فيها أدى إلى تناسل خرائط جديدة. فالمالكي الذي يراهن نسبيا على التحالف الوطني بوصفه هو الكتلة الأكبر فيه يتمنى أن يحسم ترشيحه طبقا لهذه القاعدة (قاعدة الأغلبية العددية داخل المكون الواحد) ربما بالرهان على الموقف الإقليمي (إيران) والدولي (الولايات المتحدة الأميركية)، لكنه من جانب آخر يعمل الآن وبلا هوادة من أجل رفع رصيده من الأصوات من الكتل والكيانات الصغيرة، سواء داخل التحالف الوطني (بدر والفضيلة والإصلاح)، وهو ما يجعل عدد مقاعده يربو على الـ123 مقعدا أو من خلال الانفتاح على كتل أخرى من طوائف وأعراق خارج الفضاء الشيعي.

رهان المالكي هنا يستند إلى ما يملكه من أوراق ضغط أو مساومة على الكتل الكبرى الأخرى مثل التحالف الكردستاني و«متحدون» للإصلاح بزعامة أسامة النجيفي (23 مقعدا) والعربية بزعامة صالح المطلك (عشرة مقاعد) مع استبعاد كتل الصدر والحكيم وإياد علاوي الذي حصل على (21 مقعدا) نظرا لعدم إمكانية حصول تفاهم مع هذه الأطراف حتى الآن. ويستند رهان المالكي هنا على ورقتين يبدوان بالنسبة له رابحتين، وهما مطالب الأكراد الذين شكلوا وفدا مشتركا للتباحث مع بغداد، وهو ما يعني أنهم قطعوا إمكانية تفككهم، وخصوصا أن المالكي كان يراهن على إمكانية انضمام الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة الرئيس جلال طالباني الذي انتهت ولايته أخيرا ولا يزال يتلقى العلاج في ألمانيا لتشكيل حكومة أغلبية سياسية فإنه قد يراهن على كون الخريطة الكردية لم تعد متماسكة مثلما كانت عليه من قبل بل هي الأخرى رجراجة الآن، وذلك بأن يعطي مطالب للأكراد تسمح لموافقة طرف فيهم عليه مع اعتراض آخر. أما المسالة الثانية التي يراهن عليها المالكي فهي إمكانية تفكيك الخريطة السنية التي تعاني منذ فشل قائمتها (العراقية) في انتخابات عام 2010 بعدم تشكيل الحكومة، وهو الفوز الذي تحول إلى نقمة على المكون السني، ونجح المالكي في هذا الاتجاه من خلال وليد “المليون دولار وسيارة” ما يسمى “الاتحاد”بقيادة سليم الجبوري وجمال الكربولي واحمد ابو ريشة والغريب في هذا “الاتحاد”كل اعضائه ممن صدر بحقهم مذكرات القاء القبض بتهم الارهاب والفساد .اما موقف صاحب شعار “اذا ذلت العرب ذل الاسلام” صالح المطلك زعيم العربية فهو اصلا مع المالكي حتى وان لم ينضم الى “اتحاد المالكي السني” فتاريخه السياسي بعد الاحتلال معروف ولايحتاج الى الاشارة اليه .

 لكن في حال أصر خصوم المالكي داخل البيت الشيعي على عدم التفاهم مع المالكي ونجحوا في فرض مرشح من داخل التحالف الوطني بديل للمالكي حتى لو أدى ذلك إلى خروج المالكي من هذا التحالف فإن بإمكانهم تكوين كتلة أكبر مع الأكراد والوطنية وبعض القوائم الاخرى . وكل ما يقال ويطرح لا زالت خارطة التحالفات السياسية تشوبها الضبابية ،لان اصل المشكلة العراقية لم تحل والتي تكمن في طبيعة النظام السياسي وهي المحاصصة الطائفية وتوزيع  الحصص  في تشكيلة الحكومة وليس في  طبيعة المشاريع وخدمة المواطن، رغم تحدث  الكل “بالوطن والوطنية” . ولذلك اقول أن عملية تشكيل الحكومة القادمة في ضوء هذه الخرائط الملتبسة لن تكون سهلة وسيبقى المشهد السياسي  والامني في العراق مضطربا حتى وان خرج المالكي من السلطة .