راودت الكثير من العراقيين أحلام كبيرة وكثيرة بعد احتلال بغداد، وانهيار النظام السابق، ومجيء القادمون من خلف الحدود ليعلنوا أنهم فاتحون مبشرون بتغيير الواقع الذي يعيشه أبناء الشعب العراقي، ليرتقوا بهم الى مصاف الدول الكبرى وانفتاحا على الشعوب الأخرى ثقافة وتكنولوجيا وديمقراطية ليحكم الشعب نفسه بنفسه.
أول خطوات التغيير بدأت بحل الجيش العراقي الباسل، وحل المؤسسة العسكرية بالكامل، والعديد من الوزارات، ودمجها ببعض وتسريب موظفيها، وخصخصة المؤسسات الاقتصادية من قطاع خاص ومختلط، أعقبه إيقاف وشل العديد من المعامل الإنتاجية، ومن ضمنها شركة الاسمنت العراقية، التي تُعد الأولى في المنطقة من حيث جودة الإنتاج وفق المعايير والمقاييس المتعارف عليها، وليتم استيراده وتغطية الحاجة المحلية من دول الجوار.
وفرح الشعب بسابقة لم يشهدها أبدا، تم رفع وزيادة رواتب الموظفين والمتقاعدين واستبشر العراقيون الخير وتم إسكات الأفواه المتخمة بالألم والحاجة.
تعاقبت الإحداث بعد ذلك لتطفو على السطح الفتن الطائفية والعنصرية والاحتراب الطائفي العرقي، الى جانب تصفية النخب الوطنية والثقافية والإعلامية والمهنية من أطباء ومهندسين وطيارين، على أيدي عصابات ومافيا منظمة دوليا، أدمنت الكره والحقد على أبناء شعبنا العظيم. ثم استشرى الفساد، وكشف عن أنيابه الصفراء لتتفتق عن شرائح اجتماعية غريبة ما أنزل الله بها من سلطان تفتقر الى أبسط مقومات التصنيف الخاص بالمقاولين والشركات الاستثمارية، لتحصل على عقود ومناقصات لمشاريع إستراتيجية مهمة واستثمارية، ويتم بيعها لأكثر من مرة قبل ان ترسو بحطامها على مقاول ثانوي لا يفقه ماهية ما أنيط اليه من مشروع، وليصبح السياسي سمساراً جديدا لترويج مثل هذه المعاملات، وينهار الاقتصاد العراقي بالكامل… أعقبتها مؤامرات خضعت لمزاج السياسيين وأهوائهم وخلافاتهم وإمراضهم النفسية التي كانت وراء احتلال الانبار ونينوى من قبل الدواعش.
لم تتوقف حمامات الدم، واستمرت قوافل النازحين والإمراض السرطانية التي تفشت في أغلب المحافظات الغربية والجنوبية نتيجة الكم الهائل من انفجار القنابل والمفخخات، ودخول مواد غذائية محقونة بفيروس مرضي، اخرها ما نشر برتقالة محقونة بفيروس التهاب الكبد الفايروسي، وفتك الجوع والعوز نتيجة البطالة التي لاحقت الشباب، منذرة بتفشي الجريمة والمخدرات والفواحش، بشكل لم يسبق له نظير.
لم تكف قريحة السياسيين العباقرة بـ البحث عن مقترحات وأفكار لإنقاذ الخزينة العراقية المتهاوية، بعد ان تربع الأغبياء أعلى مؤسستين ماليتين في العراق، وزارة المالية، والبنك المركزي العراقي. والتي أفرغت على يد المالكي وحاشيته بعد أن سحب (8) ثمانية مليارات دولار يوم سقوط الموصل من البنك المركزي العراقي… والقصة معروفة وتداولها القاصي والداني ووكالات الإعلام.
المضحك المبكي في الأمر… أخر نصيحة للمالكي وجهها الى رئيس الوزراء الحالي الدكتور حيدر العبادي، هي “الاقتراض من المواطنين”، يبدو ان السيد المالكي معجب جدا بالمسلسل الإيراني “يوزر سيف”، ومتأثراً بحكمة النبي يوسف في معالجة قحط مصر في المسلسل الرائع بديباجته والسيناريو والإخراج والإمكانيات الهائلة التي رصدت له، ناهيك عن براعة وإبداع إبطاله وممثليه الرائعين.
فات رئيس الوزراء السابق ان النبي يوسف (ع) لم يقترف الخطيئة، لم يسرق، لم يذبح، لم يقتل… ولم يفرغ خزينة مصر، بل استخدم حكمته المشبعة بالنقاء والحب والسماحة تجاه أهل مصر لتخليصهم من القحط والجوع والعوز. جاء السيسي رئيس مصر الحالي وخلال اقل من سنة لحكمه، استطاع ان يعيد الأمور الى نصابها وأوقف الفوضى العارمة وأحال القتلى والمجرمين الى القضاء ليأخذوا قصاصهم العادل تجاه ما اقترفوه تجاه مصر، هذا في مجال السياسة، اما في مجال الاقتصاد، فقد تبرع بنصف ما يملك الى خزينة مصر، وبني أعظم قناة في تاريخ المنطقة. السؤال الذي يفرض نفسه. انت ماذا قدمت لشعبك العراقي خلال أكثر من عشر سنوات غير حمامات الدم.
أعتقد أنك بحاجة لإعادة النظر في مجمل الأفكار الإصلاحية التي تبدو أقرب الى نكتة سمجة، ويفترض أن تقرضنا أموالنا التي استبحتها… ربما عندئذ بعض الحرامس يصير حلالس في جعبتك. والبقرات الثماني السمينات التي تأكل السنين العجاف التي حملتها للعراق طيلة فترة ترأسك لرئاسة الوزراء وما تلاها.