22 ديسمبر، 2024 8:58 م

المالكي وبوتين وأردوغان

المالكي وبوتين وأردوغان

 تتداول مواقع الكترونية وصفحات على الفيس بوك ملصقات تضم صور السيد نوري المالكي والى جانبها شعارات تدعو الى المطالبة بنظام رئاسي في العراق يحل محل النظام البرلماني، على ان يكون المالكي ذاته رئيسا للجمهورية.
ليست هذه الفكرة جديدة بذاتها، فالنظام الرئاسي لا يلغي عمل البرلمان، ولا يلغي رئاسة الحكومة. وباستثناء النظام المعمول به في الولايات المتحدة الامريكية، فان دولا مثل فرنسا تعمل بالنظامين، حيث تحدد المادة العشرون من الدستور الفرنسي مهام وصلاحيات كل من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، وشهدت فرنسا بعض التحديات التي تخطاها النظام السياسي بنجاح بفضل القيم الديمقراطية الراسخة، ففي عام 1986 افرزت الانتخابات صعود اليميني جاك شيراك رئيسا للحكومة الى جانب رئيس الجمهورية اليساري فرانسوا ميتران، في فترة تدعى حتى هذه اللحظة في القاموس السياسي الفرنسي بفترة التعايش، لانها لم تؤدي الى تعطيل عمل أي من الرئاستين.
ثمة أيضا محاولات مشابهة لمحاولة السيد المالكي “وأتباعه” في كل من تركيا وروسيا، حيث جهد كل من رجب طيب أردوغان و فلاديمير بوتين لتغيير النظام السياسي في بلديهما بعد ان استنفذا لعبة تبادل الادوار في حزبيهما. فقد تنحى عبد الله غول عن رئاسة الحكومة طوعا ليفسح المجال أمام اردوغان فورإنتهاء فترة الحجر السياسي المفروض عليه قضائيا ليحل محله ، وليصبح غول وزيرا للخارجية في حكومته، وبمعونة اردوغان ومن باب الوفاء الحزبي نجح غول في انتخابات الرئاسة التي تلت تلك الواقعة. أما في روسيا، فقد دفع بوتين بديمتري ميدفيديف ليكون رئيسا للحكومة الروسية بعد ان استنفذ بوتين فترتي ولايته، حيث لا يسمح الدستور الروسي بثلاث ولايات متوالية، ليكون رئيسا للجمهورية، لكنه يقود الحكومة من الظل عبر واجهة ميدفيديف، ليعود الى رئاسة الوزراء في الولاية التالية.
لكن ثمة فرقين بين تلك الحالتين وبين حالة السيد المالكي، الاول، هو توفر التجانس والتناغم بين كل من اردوغان وبوتين وحزبيهما، في حين تسود حالة التنافر والصراعات داخل حزب المالكي الذي تولى أمانته العامة بعد ان أزاح عن طريقه وبشكل دراماتيكي السيد ابراهيم الجعفري ليحل محله في أمانة الحزب وفي رئاسة الحكومة أيضا، وليتوزع حزب الدعوة بين أكثر من ثلاث بؤر استقطاب نجحت أحدها في دفع السيد حيدر العبادي الى رئاسة مجلس الوزراء بعد الانتخابات البرلمانية الماضية. أما الفرق الثاني فيتمثل في الرافعة الاقتصادية التي مثلها أردوغان في تركيا، حيث حقق معدلات نمو لم تمر بها تركيا من قبل، إضافة الى استقرار أمني واجتماعي وتطور صناعي وتجاري جعل تركيا في مصاف الدول المتطورة. أما بوتين الذي جاء الى الحكم على أنقاض حقبة بوريس يلتسين التي أوصلت روسيا الى حافة بلدان العالم الثالث تخلفا وفسادا، فانه أعاد الى موسكو ألقها السياسي الخارجي وأعاد بناء اقتصادها وصناعاتها الى درجة عودتها الى عالم الاقطاب مقتربا من إعادتها الى ماكانت عليه في العهد السوفيتي ابان فترة الحرب الباردة. ومع ملاحظة تناقض المشربين الايديولوجيين لكلا الرجلين، حيث اردوغان القادم من معطف الاخوان المسلمين وبوتين المطل من تخوم الشيوعية، إلا ان الروح الوطنية وحسن الادارة وقوة الارادة والايمان ببلديهما وشعبيهما هي التي ادت الى تحقيق تلك الانجازات في كل من تركيا وروسيا، وتلك بالتحيد هي الصفات التي يفتقدها السيد نوري المالكي الذي أجهز على ما لم يدمره الاحتلال الامريكي ليوصل العراق خلال فترتي ولايته الاولى والثانية الى ان يكون الاول في قائمة الدول الفاشلة ويتصدر قائمة الدول من حيث استشراء الفساد، وتدمير المؤسسات وترسيخ الطائفية السياسية التي وصلت الى حد استباحة تنظيم داعش لثلث مساحة الاراضي العراقية، ونهب منظم لثروات العراق الى درجة ان مئات مليارات الدولارات مغيبة من سجلات التدقيق والرقابة المالية، ومئات المليارات الاخرى المسجلة بموجب مشاريع وهمية لا وجود لها على أرض الواقع، ناهيك عن جيوش من الفضائيين في مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية.
ولو قيض للسيد المالكي ان يكون رئيسا للجمهورية وبموجب نظام رئاسي يتيح له التصرف على هواه، كما يتمنى هو وأيتامه، فان العراق أرضا وشعبا وثروات سيكون في خبر كان، وسوف لن يطالب وزير ماليته برهن نفط البصرة على طريقة هوشيار زيباري، بل سيطالب برهن أرض وشعب العراق لعقود قادمة من أجل إشباع نهم المالكي وحاشيته، وعذرا للسيدين بوتين واردوغان على المقارنة التي جاءت بفرض جنس المقارن، ليس إلا.
[email protected]