كَذَبَ المُنَجِمونْ ولو صدقوُا ، قولٌ مشهور متداول بين الناس .
وأود الإشارة في هذا المقال لثلاث قصص صدقتْ في إثنتين منهما أقوال المنجمين والعرافين ، أولهما ما قرأته في كتاب ذئب الأناضول الذي يتناول حياة مؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك ، حيث كان أتاتورك ضابطا في الجيش العثماني في ليبيا وبينما هو يتجول في شوارع إحدى مدنها إذ صادف هو وصديق له في السوق إمرأة تقرأ الكف فطلب منها قراءة كفه على سبيل المزاح والملاطفة ، فأخبرته تلك المرأة بانه سيكون سلطان ذا شأن كبير ويحكم خمسة عشر عاما وبعدها يموت ، هذا ملخص ما تنبأت به تلك العرّافة ، تركها أتاتورك ضاحكا ، لتُريه الأيام بعد ذلك صدق نبوءتها فيخلع السلطان العثماني ويلغي الخلافة ليصبح أول رئيساً للجمهورية التركية ويبقى هكذا خمس عشر عاما وبعدها يُميته المرض .
أما الحادثة الثانية فأراها أشد غرابة من الاولى لكثيرة تفاصيل ما تنبأت به قارئة الكف الثانية .
معلمٌ بسيط ذلك الذي كان يتجول في شوارع بغداد زائرا لها من الناصرية ، منبهراً بعمران تلك المدينة الصاخبة ونظافتها ، تصادفه قارئة كف فلسطينة ، يعطيها كف يده لتزف له قدره المحتوم عبر السنين القادمة ، خاطبته واثقة وهي تتمعن في خطوط يده المرتعشة خجلا من عدم جدية الامر بالنسبة له ، ستتزوج وتُرزق بولدين وبنت ، ثم تتزوج ثانية وتنجب منها خمسة من الذكور والإناث ، وسوف تُسجن وتُعذب ، تغادر العراق وتحج بيت الله ولاتعود للوطن ، ثم تهاجر الى أمريكا وبعد وصولك هناك بأسبوعين تموت.
ضحك بهستريا المستخف ، وغادرها وبغداد ، لاعناً العاصمة ودجل مشعوذيها ، ولم يمر من سنواته الكثير حتى بدأت تلك الحادثة تؤرق منامه فهاهو يتزوج الاولى وينجب الولدين والبنت ثم الثانية ويُرزق الخمسة من الصبيان والبنات ، وعند بداية الثمانيات وفي أوج عُنف البطش الصدامي يُعتقل ويُعذب في السجون والمعتقلات ، ولكن الله يُقدّر له البقاء حياً متربصاً بما تحمل له الأيام القادمة ليرى نهاية تلك الحكاية التي قيلت انها حكاية حياته فكانت كذلك .
تندلع انتفاضة شعبان ١٩٩١ ويشارك رجالها ناقما وثائرا على حاكم ظالم مهزوم في كل حروبه على الحدود ولكنه منتصر في حربه المستمرة على شعبه ، فتتحالف اكثر من قوة داخلية وخارجية لإجهاض روح الثورة بعد أن أيقنت تلك القوى أن توجهات تلك الجموع الثائرة لا تخدم مصالحهم في العراق ، فيبقى صدام في الحكم متوجاً لنصر جديد على أبناء جلدته وينهزم صاحبنا المعلم مع عشرات الألوف نحو صحراء رفح في السعودية ليعيش سنوات تغربه بين الرمال وأكوام بشرية متخبطة المصير ويحج فرحاً ، ويقبله الوفد الامريكي كلاجيء ليس له وطن ، ويقع في الحيرة لأيام ، هل يذهب الى نهايته برجليه فهاهي نبؤءة العرافة الاخيرة له ، يستسلم لقدره بعد طول إلحاح من محبين ربما ظنوا في الامر تهويلا مبالغا فيه ، ولم تمر في أمريكا أيامه الأربع عشر حتى فارق الحياة مجاهدا مظلوما داعين له بالرحمة والرضوان .
أما ثالث قصة والتي لم تكتمل فيها كل ملامح نبؤة قارئة الكف ولكن بداياتها تسير حسب ما ذكرت تلك المرأة فهي أن عرافة قرأت كف المالكي وأنبأته أنه سيحكم العراق ست عشرة عاما !! وبالنسبة لي فأن هذه النبؤة هي أسوأ وأخطر مايقال لو تحققت ، مما يمكن أن يُجر اليه العراق من حروب ودمار وأزمات على يد هذا الرجل المبدع والمتفنن في خلق ألازمات.