23 ديسمبر، 2024 9:45 ص

المالكي والعبادي.. الخلاف والاتفاق في الأداء !

المالكي والعبادي.. الخلاف والاتفاق في الأداء !

ليس من اليسير على الباحثين والكتاب سبر أغوار تاريخ حركة سياسية موغلة في السرية كحزب الدعوة ومنهجه الفكري الذي دار حوله الجدل كثيرا ماضيا وحاضرا، وما عرف به تاريخه من صراعات على الزعامة وانشقاقات وتآمرات أدت لأن يصدر مؤسسه محمد باقر الصدر بيانا في أواخر أيامه يتبرأ فيه من الحزب الذي أسسه ومن سلوكيات منتسبيه، ربما تكون هذه المقدمة ضرورية قبل الخوض في تفاصيل السجال الحاد الذي يخوضه العراقيون هذه الأيام في مجالسهم الخاصة والعامة، حين يعقدون المقارنات بين سياسات سيىء الذكر نوري المالكي وخلفه حيدر العبادي، وهل ثمة فروقا حقيقية بينهما، أم أنها شكليات استوجبتها ضرورات المرحلة والشروط الأمريكية للدخول في الحرب ضد (داعش).

 

  ويبدو المنتمون لحزب الدعوة كنظرائهم من الأحزاب العراقية الأخرى التي تأسست عقب سقوط النظام الملكي، ونمت وتطورت في ظل مجتمع قائم على الإستقطاب الحاد في كل تفاصيل الحياة، ربما تأثرا بأجواء الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي، بالإضافة إلى طبيعة الشخصية العراقية التقليدية التي تميل إلى الحدة والإندفاع الشديد في تبني القناعات، لكن حياة التيه والضياع والصراعات البينية والتكالب على المصالح التي عاشها الدعوتية (كما يشار لهم في الأدبيات الشيعية) منذ بداية صدامهم مع الدولة العراقية قد حولتهم إلى الحزب الأول في تخريج صقور السياسة والمتطرفين والمنغلقين طائفيا، ولم يفلح يوما في تقديم شخصية تصالحية أو (طبّابة خير) كما يقال محليا، وهو ما ينعكس حتى على ملامح وجوه قياداته الخالية من الإبتسامة أو الإيحاء بأي أمل أو بشر أو تفاؤل، ولك أن تتأمل وجوه نوري المالكي، وعلي الأديب، وكمال الساعدي وحليفتهم حنان الفتلاوي!!.

 

  وقد تشظى الحزب عبر مسيرته السياسية إلى عدد من الكيانات الصغيرة بل والمجهرية أحيانا، وبقي جسمه الرئيسي الذي انشطر بدوره إلى تيارين رئيسيين، الأول وهو الذي كان يقيم أعضاؤه في سوريا، بعد طردهم من إيران على خلفية تنافسهم مع المجلس الاعلى هناك، أما التيار الثاني فقد كان من المقيمين في بريطانيا، ويحمل أغلب أعضائه الجنسية البريطانية، وقد تمايز هذان التيار حتى في الأدبيات الخاصة بالحزب، فعرفا بتياري السيدة زينب وتيار لندن.

 

وبعيدا عن تسطيح الموضوع وتصويره كأنه صراع بين عقلية شرقية متزمتة وعقلية غربية مرنة ومنفتحة، فإن هناك تباينا كان واضحا منذ البداية بين الفريقين، من خلال الأداء السياسي والتنظيمي لكلا الفريقين، ويكفينا أن نعلم أن المالكي هو خريج مدرسة السيدة زينب في دمشق!!.

 

وتبرز بعض الإشكاليات في فهم طبيعة التحول الذي تم في سلوك السلطة الحاكمة بعد خلع المالكي، هل هو تحول حقيقي واستراتيجي أم أنه لا يعدو كونه مرحلة (شهر عسل) يقدمه شريك المالكي ورفيق دربه الطويل حيدر العبادي للعراقيين بعد محنة (داعش) وآثارها المدمرة، كما أن اشتراطات (الحرب على الإرهاب) واعتراف المجتمع الدولي بحصول ظلم واضطهاد بحق العرب السنة ومطالباته الخجولة برفعها، كل هذا يثير مزيدا من الجدل والحيرة حول طبيعة التغيير الذي تم، والوجه البشوش واللغة الأبوية الناعمة التي أصبح يحملها العبادي في كافة المحافل.

 

ولكي لا ننسى فإن ثمة حقائق يجب أن تؤخذ في الحسبان، أولها أن العبادي هو أحد أركان نظام حزب الدعوة الذي استلم الحزب في 2005 حتى يومنا هذا، وكان شريكا في كل سلوكه السياسي واتفاقياته، وجزءا من منظومة الحكم فيه، صحيح أننا قد استرحنا من بعض الوجوه الكالحة في هذا الحزب ككمال الساعدي وغيره؛ إلا أن بقاء العبادي ضمن كابينة القيادة في الحزب يطرح تساؤلات حول إن كان هناك من خلاف حقيقي بين الشخصين، حيث لم يؤثر عن العبادي في السابق أي دور إيجابي في حلحلة الأزمات السياسية، أو في رفض ممارسات المليشيات الشيعية، أو انتقاد عمليات الفساد التي تنخر جسد الدولة العراقية، إضافة إلى أنه لا يمتلك كاريزما قيادية خاصة به كآخرين في حزبه.

 

إن العمل السياسي في جوهره لا يقوم على الأمنيات الشخصية ولا النيات الحسنة، وإنما على تبادل المصالح والالتزام المشروط بالاتفاقيات بين الأطراف المختلفة، ولو كان لمعارضي النهج الطائفي في العراق من مشروع قوي قادر على التصدي لأطماع دول الجوار وتقليم أظافرها المحلية؛ لما كان لموضوع الإختلاف بين المالكي والعبادي أية أهمية، لأن التعامل سيكون حينها على أساس منهج سياسي رصين ومتماسك بعيدا عن الشخصنة ومآزقها.

 

إن على الطاولة أمام العبادي اليوم ملفات خطيرة وحيوية؛ على رأسها بناء مصالحة وطنية حقيقية، وإطلاق سراح المعتقلين الأبرياء الذي أخذوا ظلما وعدوانا بجريرة المخبر السري، ومحاربة الفاسدين وتفكيك منظوماتهم التي تعمل في كافة مؤسسات الدولة، وضرب المليشيات الإرهابية التي تختطف المواطنين وتروعهم وتقتلتهم طائفيا وتحرق مساجدهم وبيوتهم؛ كما حدث في جلولاء والسعدية والعظيم وسليمان بيك وجرف الصخر ويثرب وغيرها الكثير، ومعاملتها كما يعامل تنظيم (داعش) تماما حذو القذة بالقذة.

 

هذه الملفات وغيرها هي التي ستقرر إن كان حيدر العبادي يختلف فعلا عن نوري المالكي، وهو اختبار حقيقي كذلك لكل ما قيل ويقال عن طيّ صفحة الماضي والانتقال إلى نهج وطني حقيقي يجمع العراقيين ويعبر بهم نحو المستقبل.