من يستمع لخطاب المالكي في بغداد وخطابه في النجف وقبلها بأسبوع في واسط يخيل اليه انه امام ثلاثة شخصيات تتكلم كل شخصية منها في اتجاه معاكس للأخرى مع ان الخطابات الثلاث لا يفصل بينها إلا ايام قلائل لتتوضح الشطحات السياسية التي يعاني منها دولة رئيس الوزراء .
فالرجل تارة ينادي بحكومة اغلبية سياسية تشترك فيها جميع مكونات البلد وتارة اخرى يدعو الى نبذ الطائفية ثم يفاجئ الشارع العراقي بدعوته المواطنين الى الالتفاف حوله لتأسيس دولة اهل البيت (عليهم السلام) . وبالطبع فان ساسة الاحزاب الاسلامية دائما يبرعون بلي عنق الكلمات والتحدث بالعموميات حتى اذا ما حشروا في الزاوية الضيقة يكون بإمكانهم التهرب من مسئولية الكلمة التي هي احدى المقدسات في العقائد الدينية وخاصة في الاسلام .. فإذا طلب المالكي بتفسير حول هذه الدعوة فسيكون رده للتخلص من مازق السؤال بأنه لا يقصد الكلمة بمعناها الحرفي وإنما بمضمونها من حيث المبادئ التي قاتل اهل البيت عليها واستشهدوا في سبيلها .
لن احاول احراج المالكي والقول بأنه كان يقصد الكلمة بمعناها الحرفي وإلا فسندخل في باب اشكالية الدولة الديمقراطية وشكلها واحتواء العراق على مكونات عديدة مذهبيا ودينيا وقوميا .. لذلك سأتوجه مباشرة للركن الفسيح للمصطلح وهو روحية دولة اهل البيت ومضمونها , ونريد هنا ان نسلط الضوء على التناقض بين دعوته هذه وبين الممارسات الحقيقة الموجودة على ارض الواقع وتعارضها مع ممارسات دولة اهل البيت .
هناك تساؤل جدلي حول هذا الموضوع وهو .. هل ستكون دعوته الى دولة اهل البيت كدعوته الى دولة القانون التي تبناها في الانتخابات السابقة ؟ فإذا كانت مثلها فالتخوف مشروع في ان تتحول الدولة من دولة اهل البيت الى دولة يزيد والحجاج كما تحولت من قبل دولة القانون الى دولة اللا قانون .
كيف بشخص يدعي انتمائه لفكر اهل البيت ان ينتقص منهم بهذه الطريقة في الوقت الذي اصبح العراق في عهده من الدول الاكثر فسادا في العالم وأصبحت الصفقات المشبوهة والعقود الفاسدة عنوانا لمرحلته ؟ لا يستطيع المرء استيعاب ان يصل التجرؤ على اهل البيت الى هذا المستوى بإضفاء ما كان اهل البيت يجاهدون في سبيله على دولة ينخر الفساد فيها بكل انواعه وأصبحت السرقة واللصوصية من اهم مقوماتها .
ان القتل الممنهج الذي فشى في زمن المالكي وإثارة الفتن بين ابناء الشعب الواحد لا يتطابق مع دولة اهل البيت بأي حال من الاحوال . فرغم كل الظروف السيئة التي مرت عليهم لم يحاول اهل البيت فصل اتباعهم عن المجتمع المسلم المحيط بهم وصبروا على اذية الدولة الاموية والعباسية حتى الرمق الاخير .. بينما تركزت سياسة المالكي على ابعاد المكون الشيعي عن المكونات العراقية الاخرى وزرع الحقد المتبادل بين الطرفين دون الاكتراث
لعواقب هذه السياسة ناهيك عن التحشيد الطائفي الذي يكتنف حملته الانتخابية , فرغم ان المالكي هو رئيس وزراء العراق كله إلا انه لم يقم لحد الان بزيارة الى اي مدينة سنية ولم يركز في حملته الانتخابية على اي مدينة سنية وخطابه الانتخابي يقتصر على مكون واحد من مكونات النسيج العراقي والمدن التي يشكل هذا المكون الاغلبية فيها .
ان دعوته لإقامة دولة اهل البيت هي دعوة ذات مغزيين .. اثارة العاطفة المذهبية عند المكون الشيعي واستغلالها لغاياته الانتخابية هذه من جهة , ومن الجهة الاخرى اشعار المكون السني بالتهميش والإقصاء من خلال هذه الدعوة , فالوضع الطائفي المتشنج حاليا في العراق لا يخرج خطابه من هذين المغزيين المذكورين , وعلى هذا فان المرجعيات الشيعية مطالبة شرعا للدفاع عن مذهبهم وإيقاف هذه التجاوزات على مكانة ومبادئ اهل البيت من قبل المالكي ولا يمكن الاكتفاء بإظهار استيائها وعدم استقبالها له في مكاتبها لان هذه الدعوة تأتي في وقت لا يتحمل فيه الوضع العراقي تشنجا اكثر وهي تسفه اسس المبادئ التي اسس عليها المذهب الجعفري في الوقوف بوجه الظلم والفساد .