اكمل ديكتاتور رومانيا “نيكولاي تشاوتشيسكو” بناء قصره المكون من ألف غرفة، بعد هدمه لمناطق كبيرة في بوخارست. كان يرى بنفسه رب الشعب، يفعل بهم ما يشاء.. أصيب بجنون (الالوهية) فأخذت شعبه ضحكة ساخرة على نفسه، طالت، ولكنها لم تستمر. ثاروا عليه في أوج قوته الظاهرة، وهو على منصة العرض؛ صفق له الناس قليلاً أثناء الخطاب.. لم يستمر، قال كلمات، وتحوّل الصفيق إلى كلام، هتاف: ستسقط أيها الديكتاتور!.. هرب مع زوجته قليلاً، ثم ألقي القبض عليه، وأنتهى!
قبل أن ينتهي، أنهك شعباً كاملاً، وجرّد بلداً من جميع مقدراته.
ثلاثون عاماً مرّت على حادثة طاغية رومانيا، غير أن طموح العاشقين لمنهجه مستمر في التبرك بسيرته. المحزن في امرهم، نسيان عهد أحدث، وأعني به عهد طاغية العراق السابق. إنتهى في حفرة!
الطغيان لا يختص بموقع وحيد، فرب مساعد أو رئيس جماعة يختط ذات الطريق، ويطغى على من هم أصغر. الامر بحاجة لمقومات، أولها النزعة النفسية للتسلط وإدمان القشور، وهي أخطر الأمراض التي يمكن أن يصاب بها المسؤول. من مصاديقها: فالح الفياض، متشبث بدور ثانوي، كل ما في سيرته الذاتية التي يقصها عنه زملاءه “شيخ عشيرة” و “لديه أموال” فضلاً عن كونه سجن ذات يوم بتهمة السياسة حسب ما يقولون؛ وهذه كافية لأن يكون شرط تنازله عن وزارة الداخلية إحراق العراق!
الفوضى ولا شيء غيرها، هي البديل الملائم لعدم اختيار الفياض وزيرا للداخلية، حصافة السيد المالكي هكذا تقول. وله في هذه المصطلحات تاريخ مشهود، فهو صاحب مفردة ( فقاعة، بحر الدم، يحترق، ما انطيها…) ولشديد الأسف فالرجل يخطىء عادة في التنبؤ بالقراءة السعيدة، ويصيب بالنهاية الكارثية؛ فعندما قال (فقاعة) تبين أن الفقاعة هي احتلال إرهابي للعراق وخسائر فادحة في الأرواح والأموال!
الفوضى التي يتحدث عنها السيد المالكي، قد تحدث، ولكن ليس بسبب كسر النصاب، والذي نتيجته تأخير او (عدم) تولي الفياض وزارة الداخلية؛ إنما نتيجة لقرار يبدو انه مسبق: الفياض وزيراً أو الطوفان!.. هل رأيهم وإصرارهم نابع عن إيمان بالرجل، ام أن هناك خفايا؟
تشير المعطيات إلى حقيقة واضحة: التمسك الغريب بالسيد الفياض تقف خلفه دوافع داخلية وخارجية، وهذه الدوافع لو استمرت طبعاً ستفضي حتماً الى ما يشبه الفوضى، قد تطيح بحكومة عبد المهدي!.. المعلومات تؤكد على أنّ غالبية كتل البناء غير متمسكة بالفياض، بل أنّ الفياض نفسه طلب استبداله بمرشح آخر، ولكن السيد المالكي مصر، وأسباب إصراره تتعلق بنتيجة يسعى اليها، او غاية يحققها.. النتيجة المرجوة هي احراج عبد المهدي وإقحامه في الخلافات السياسية، ليكون مع جهة ضد أخرى، الامر الذي يقوّض التوافق القائم بين الكتل حول رئيس الحكومة وبالتالي استخدام الشارع لضرب الحكومة الحالية على أمل إسقاطها، والمجيء بحكومة إن لم يكن المالكي رئيسها، فسيكون هو من تأتمر بأمره. اما الغاية، فهي أهون النتائج: مكافئة الفياض على شقه لقائمة العبادي، وصناعة شخصية موازية لرئيس الوزراء وقادرة على التأثير في قراره، إذ سيكون الرئيس غير مرضي عنه من الإصلاح، وتابع للبناء، بينما يكون الفياض ممثل البناء وثقته، وبالتالي عبد المهدي هو الحلقة الأضعف التي تحتاج دوماً للفياض ومن يقف خلفه. حديث السيد المالكي عن التمسك المفرط بالفياض وجميع المرشحين للوزارات الشاغرة لا ينطوي سوى على نيّة “لي الأذرع” بدليل أنّه كان يهتم لأمرالفياض والسهيل فقط، لكن دعوة تحالف الإصلاح استبدال جميع المرشحين، وجد بها فرصة ثمينة لتحقيق كسر الإرادة، واثارة الفوضى التي تحدث عنها!
المالكي مازال حالماً بولاية ثالثة، يسعى للوصول اليها بشتى الوسائل ومهما كانت النتائج، فهوس السلطة مرض لا شاف منه إلا القبر أو القضبان!