بدون ادنى شك ان نوري المالكي رجل شجاع وذو تاريخ, وله مكانة. لكنه للاسف لم يختر نهاية تليق به وبتاريخه عندما ربط بشكل بدا تعسفيا بين ما أصر عليه على انه شرعية دستورية وبين الاحتفاظ بالمنصب. اصراره ما اعتبره خرقا دستوريا مع اتهامه رئيس الجمهورية الدكتور فؤاد معصوم بارتكابه وسعّ من دائرة خصومه في الداخل والخارج, وقلّص من دائرة مؤيديه الى أضيق نطاق بمن في ذلك الحزب الذي يتزعمه, الدعوة. لذلك فإن تنازله لم يكن بمحض إرادته بل حصل بناء على ضغوط بدت اكبر من طاقته على مقاومتها. تركيزه على أحقيته بالولاية الثالثة برغم عدم مقبوليتها من قبل الجميع بمن في ذلك مرجعية النجف وعده “الخرق الدستوري” إنه إنتكاسة للعملية السياسية أخطر من انتكاسة الموصل, يمكن أن يكون كلاما فيه “باب وجواب” لو أن هذا هو الخرق الأول للدستور في حال كان هذا الخرق واقعأ.
رفاقه في حزب الدعوة وحين لمسوا لديه , وهو الأمين العام, اصرارا على عدم النزول من “بغلة” السلطة إضطروا الى نشر رسالة السيد السيستاني التي تنص على اختيار “رئيس جديد للوزراء”. مؤيدوه يقولون أن دفاعه عن الكرسي لايخلو من احقية وهي حصوله على العدد الأكبر من المقاعد والأصوات (720 الف صوت). سلفه حيدر العبادي وحسبما كشفت حنان الفتلاوي لم يحصل الا على 2000 صوت. وبالمقارنة بين الرجلين فقد أسقطت حقه في رئاسة الحكومة. وبدون مقدمات ساقول ومن منبر “الغد” سوف “ازين شاربي” في حال لم “يصوكر” العبادي خلال انتخابات 2018 الـ 700 الف صوت نفسها , صوت ينطح صوت. السبب الذي يدعوني الى كل هذا الجزم هي سيكولوجية الشعب العراقي. نحن العراقيين “مانام الليل” مالم نجعل الحاكم دكتاتورا خمس نجوم. نوري السعيد هو الحاكم العراقي الوحيد الذي فهم سيكولوجية العراقيين فلم تنطلي عليه “كلاواتهم”. لكنها انطلت على عبد الكريم قاسم فصدّق أن صورته في القمر. وانطلت على صدام حسين فصدّق انه “جاب الشمس بنص الليل” . وبالقياس الى ما نعرفه عن المالكي من تواضع لم نكن نتصور انه سوف يصدق حكاية ملايين الناخبين ومئات الاف الاصوات.
الان تنازل المالكي عن المنصب وهو قرار لانملك سوى ان نحييه عليه حتى لو جاء متاخرا. لكن قوله ان تنازله من اجل ان لا تراق دماء العراقيين فبودي ان اقول لسيادته ولسيادات ودولات وفخامات وسعادات كل مسؤولينا الكرام .. دماء العراقيين تراق انهارا منذ عشر سنوات بسبب خلافاتكم التي جلبت لنا الارهاب وابو الارهاب ولم تجدوا لها حلا. لكنكم تجدون ان تنازلكم عن المناصب يحقن الدماء. ولو كان الامر على هذه الشاكلة فانا ادعو الجميع الى التنازل اذا كان كل تنازل من مسؤول يعني حقن دما عراقيا. غير ان المسالة ليست هكذا. بل هي التعنت وازمة الثقة وعدم الفصل الحقيقي بين السلطات وبقاء الدولة تدار كلها بالوكالة هو من جلب الويلات والمصائب واسال الدماء. وقبل ان اختم المقال بودي التوجه بكلمة اخيرة للدكتور حيدر العبادي..”امشي وره المبجيك ولاتمشي وره المضحكك”.