22 ديسمبر، 2024 11:21 م

المالكي…في ولايته الثانية عدنان الأسدي… تضخم الذات وغياب المسؤولية/1

المالكي…في ولايته الثانية عدنان الأسدي… تضخم الذات وغياب المسؤولية/1

الحلقة التاسعة
كشفت الحلقات السابقة، المجموعات التي تشكّلت حول المالكي، وأبرزها “مجموعة الابن احمد” و”مجموعة أتباع المالكي”. كما أوردت عواملا صنعت سياسات المالكي في ولايته الثانية، أنتجت أخطاءً أنهت حلم الولاية الثالثة، وأدت الى زلزال سقوط الموصل في 2014، كما سلّطت الحلقات، الأضواء على العامل الأول في النكسة المتمثّل بدور مكتب القائد العام ومديره فاروق الأعرجي، والعامل الثاني الذي يجسده، حسن السنيد، في منصبه رئيسا للجنة الأمن والدفاع البرلمانية.

في هذه الحلقة، قراءة تحليلية لتأثير العامل الثالث، المتمثل في دور الوكيل الأقدم لوزارة الداخلية، عدنان الأسدي.

استجابة معدومة للمؤشرات الأمنية

كان عدنان الأسدي، بحكم منصبه، من بين القلّة القليلة المحيطة برئيس الوزراء نوري المالكي، المطّلعة عن كثب على حقيقة الوضع الأمني الخطير، التي تعيشه محافظة نينوى، حيث تصله التقارير الأمنية الكاشفة للمؤشرات الخطيرة للأوضاع هناك، لحظة بلحظة.

بيْد إن إنذارات الخطر الداهم التي وصلت على مسامعه وبين يديه، لم تدفعه للضغط على الأجهزة الأمنية المعنيّة، الى اتخاذ ما يلزم، ولم تدفع باتجاه توصيل الإنذار، واتخاذ الإجراءات العاجلة والطارئة، الى القائد العام، ومستشاري رئيس الوزراء، لكي يتخذوا القرار الحاسم والعاجل،

وكأنّ تلك الأجهزة في غفوة عميقة عمّا يجري حولها، الى الحد الذي وصلت فيه تحذيرات خارجية كتلك الصادرة من ايران، عن الموقف الأمني الحرج، فيما عدنان الأسدي يغط في غيبوبة أوجدها لنفسه نتيجة ممارساته الخاطئة طيلة مسؤولياته في وزارة الداخلية.

شيء من الماضي

ولأجل تسليط الضوء على شخصية الأسدي ومهاراته في القيادة، لابد من الخوض في بعض من ماضيه، للتعرّف على هذه الشخصية التي سيذكرها تاريخ العراق المعاصر كأحد أركان المالكي التي أدارت الملف الأمني وفشلت فيه، الأمر الذي أدى الى احتلال ثلث العراق من قبل داعش، العام 2014.

عاد عدنان الأسدي الى العراق، بعد سقوط نظام صدام حسين، العام 2003 كأحد أعضاء “فريق” ابراهيم الجعفري، لكنه كان وفق معطيات الواقع، كان الاسدي شخصية ثانوية في حزب الدعوة، ولم يكن شخصية حزبية فاعلة، طيلة تواجده في الدنمارك، بحكم تفرغه لحياته الخاصة، ولم يكن يحتل موقعا حزبيا مؤثرا طيلة فترة المعارضة في حقبة ما قبل سقوط النظام.

وبسبب ذلك، قرّر إبراهيم الجعفري، الاعتماد عليه، لأنه كان يتحسّس من أية شخصية مؤثرة وقيادية في الحزب، تزاحمه في النفوذ، ويسعى الى إبعادها بالسبل المتاحة، لكي يحافظ على مركزه في الحزب، الذي كان يعتبره محوريا ويجب أن لا ينافسه أحد عليه.

بل إنّ الجعفري كان مهووسا الى حد كبير، في ضرورة إطاعة أعضاء فريق عمله له، وقد أجاد الأسدي هذا الدور، حين كان ممثلّا للجعفري في مجلس الحكم، بعدما أبرز طاعته العمياء وذوبانه في شخصيته، عبر تنفيذ الأوامر الصادرة منه والاهتمام بها، بشكل استثنائي، مقابل عدم الاكتراث لما يصدر من القيادات الأخرى في حزب الدعوة.

واقتنع الأسدي صاحب الشخصية، القلقة، والنفعية، بانّ توطيد علاقته بأعضاء الدعوة، والاستماع لهم، وتنفيذ أوامرهم، سيؤدي الى إثارة غضب الجعفري، الأمر الذي سيؤدي الى إبعاده عن مناصبه ونسف حظوته التي نالها لدى الجعفري، بالتذلل والطاعة العمياء.

الصعود على أكتاف الجعفري

وجد الأسدي في أسفار الجعفري الكثيرة الى خارج العراق إبان مجلس الحكم، ومشاغله الكثيرة، فرصة سانحة لإبراز نجمه بين أعضاء فريق الجعفري، معتقدا بانه بات شخصية قيادية مؤثرة، ما ولّد في دواخله، تضخّم الذات، والنرجسية، والغرور، وهو ما دفعه الى أساليب غير أخلاقية ووصولية في السلوك، ومن ذلك، على سبيل المثال لا الحصر، طرْده نوري المالكي بطريقة مخاتلة وملتوية من مسكن الجعفري الواقع في حي المنصور في بغداد، خلال فترة غياب الجعفري، ذلك ان المالكي، يومها، كان عاجزا عن توفير سكن له في بغداد ما اجبره في النهاية الى الإقامة في المقر العام لحزب الدعوة.

ولم تتوقّف السلوكيات الفجّة والعدائية الناجمة عن عشق الذات والغرور عند هذه الحد، بل تجاوزت ذلك كثيرا، ومنها طرده الكثير من الدعاة من مسكن الجعفري، حين كانوا يترددون عليه.

وفي عبارة تلخّص الأساليب غير الأخلاقية للأسدي، في تحقيق طموحاته، يمكن القول إن بزوغ نجمه امتزج بانتفاخ الذات والتعالي على رفاق الأمس وزملاء اليوم.

وفي بعض تفاصيل ذلك التاريخ المليء بالأحداث المثيرة، فان عدنان الأسدي “رفض” تزويد حماية المالكي بهويات إجازة حمل السلاح،

على الرغم من إن المالكي كان يعتبر من اهم قيادات حزب الدعوة المتصدية للأحداث، وكان صاحب حضور سياسي وإعلامي واسع.

وبعد مناشدات ووساطات، منح الأسدي الإجازة لـ “ثلاثة” منهم فقط متحججا بقوله: “لا يحتاج المالكي الى اكثر من ثلاثة أشخاص لحمايته”.

وعلى النقيض من موقفه من المالكي، وفي حالة من الانفصام عن الواقع، كان يصر على الخروج في موكب ضخم خلال تنقلاته في بغداد.

بين الجعفري والدعاة

غير إن طاعة الأسدي العمياء لإبراهيم الجعفري، ما لبثت أنْ أصبحت جزءً من الماضي، حين لعب دورا محوريا في إبعاده عن قيادة حزب الدعوة.

لقد اعتقد الأسدي وآخرين، ممّن داروا حول قطب الجعفري أن قوتهم وصعودهم السياسي يكمن في بقائه بعيدا عن حزب الدعوة، الامر الذي دفعهم الى كل ما من شأنه دقّ إسفين بين أعضاء القيادة والكادر المتقدم من جهة، وبين الجعفري من جهة أخرى، متّبعين في ذلك سياسات استفزازية، ومكائد “ماكرة” لعزل الجعفري عن كوادر الحزب.

وبلغ الأمر شأواً خطيراً، الى الحد الذي أصبح فيه من المتعذّر بل ومن الصعب جدا، لقاء البعض من قادة “الدعوة” بالجعفري، بسبب العراقيل التي وضعها فريق الجعفري وعلى رأسهم الأسدي، في طريقهم.

كما تعمّد الأسدي “تشويه” صورة القيادة أمام الجعفري، إمعانا في خلق الهوّة، وسوء الفهم، بين الجانبين.

من حصان الجعفري الى حصان المالكي

لقد ربح الأسدي في سياسته المواربة للجميع والمتذللّة للجعفري، بالفوز بمنصب الوكيل الإداري لأول وزارة داخلية تشكّلت بعد العام 2003.

وهكذا، ظل الأسدي قريبا من الجعفري، ودائراً في فلكه، ردحا طويلا، بواسطة “الخداع”، وسياسة “فرّق تسد” بين قيادات الحزب والجعفري، حتى تولّى نوري المالكي رئاسة الوزراء، لينتقل الأسدي من حصان الجعفري الى حصان المالكي، تاركا الجعفري وفريقه البائس خلف ظهره.