منذ استضافة بغداد لاجتماع (1+5)، والأحاديث لا تنقطع عن الدور العراقي في الانتهاء من الخلافات الأمريكية-الإيرانية حول الملف النووي الإيراني، الذي استلزم عقوبات دولية ضد طهران سارعت بغداد الى طلب استثنائها، وانتهى الأمر الى اعتبار البوابة العراقية معبراً للحكومة الإيرانية على العقوبات الأمريكية، بموافقة واشنطن، ومشاركة دول الاتحاد الأوروبي الآخذة بالتعامل من خلال بنوك أوروبية – شرق أوسطية مع إيران من نفاذة البنوك الأهلية العراقية، وما افتتاح البنك الفرنسي اللبناني، إلا خطوة في هذا الاتجاه ربما تلحقها خطوات أخرى لافتتاح بنوك ألمانية وبريطانية، تتجاوز العقوبات التي تفرض على طهران لتصدير نفطها، من بوابة زيادة الصادرات النفطية الإيرانية للعراق التي اتفق عليها وزير النفط الإيراني خلال زيارته الأخيرة لبغداد.
وسبق للكثير من القوى السياسية العراقية التي خرجت من عباءة ولاية الفقيه الإيرانية، العمل على فتح ثغرة في ملف الخلافات الأمريكية-الإيرانية، فبذل المجلس الإسلامي الأعلى جهوده في هذا المضمار، من خلال زيارات قام بها زعيمه عمار الحكيم الى قطر والسعودية، من اجل ايجاد حلول اقليمية لهذا الملف الشائك، الذي تنتشر تداعياته مثل انتشار النار في الهشيم، لكن هذه المواقف لم تقابل بموافقة أمريكية، فانتقل الأمر الى أدوار لعبها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر لإيجاد مثل هذا التفاهم الإقليمي، من خلال تركيا والسعودية، لكنه أيضاً لم يجد الآذان الأمريكية الصاغية، والسؤال لماذا أصغت ادارة الرئيس اوباما في العامين الماضيين للدور الذي تقدم به رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي لكي يكون عراب الحل النووي ما بين واشنطن وطهران؟ في متابعة سريعة للأحداث العراقية منذ انسحاب القوات الأمريكية وحتى الآن، يمكن ملاحظة أن الخلافات ما بين الولايات المتحدة وحكومة المالكي لم تشمل قطاع النفط، او الاستثمارات الأمريكية في تطبيق استراتيجيها لتدوير أرباح البترودولار في منظومة دول الخليج العربي، وعلى منهجية متجانسة، ما بين إثارة مخاوف الرعب من الملف النووي الإيراني مقابل عقود تسليح واسعة لهذه الدول تنقل أرباح زيادة أسعار النفط الى أرباح لشركات صناعة السلاح الأمريكية، مقابل الخط الآخر، الضاغط على نظام ولاية الفقيه، للرضوخ التدريجي للانتهاء من ملفه النووي، بعد استحصال ما وصفته الدبلوماسية الإيرانية في مناسبات متعددة، بكونه استحقاقاً اقليمياً للنفوذ الإيراني في المنطقة.
بينما تتوقف عجلة الحراك الدبلوماسي والاستراتيجي خليجياً عند حافات المخاوف من ربيع عربي ينطلق من تحريك الأقليات، وكانت البحرين النموذج الأكثر وضوحاً في التصارع ما بين مصير الأقليات، ووصفها بالأكثرية السكانية، مما جعل منظمات حقوق الإنسان، والكثير من وسائل الإعلام الأمريكية تدخل حلبة التوظيف السياسي لتهديد البنية السياسية لمصير دولة البحرين ذاتها، يضاف الى ذلك الكثير من الحراك السياسي في السعودية وغيرها من دول الخليج العربي، وصولاً الى البحرين، من اجل تحريك المكونات الاجتماعية كنماذج من أبواب التدخل الإيراني نحو آفاق نفوذها الإقليمي استفادة من وقائع العلاقات الأمريكية-الإيرانية من بوابة خلفية يديرها المالكي مباشرة عبر شخصيات مقرّبة اليه.
وفي الزيارة الأخيرة الى واشنطن، التي قام بها مبعوثه الخاص فالح الفياض، بمشاركة سامي العسكري وياسين مجيد، القياديين في حزب الدعوة، والمقربين من المالكي، ظهرت تصريحات للعسكري بأن نائب الرئيس الأمريكي بايدن والرئيس اوباما اظهرا تأييدهما الكامل لسياسات المالكي الداخلية والإقليمية، وهذا الرضا الأمريكي عن المالكي ينطلق من توظيفه في تلك الإستراتيجية المزدوجة، ليس لاحتواء الشر الإيراني، بل ليكون سندان الطرق على أموال البترودولار، بمخاوف الملف النووي الإيراني، او ديمقراطية أمريكية لتحريك المجتمع الخليجي نحو إثارة نزاعات مكوناته الاجتماعية.. وفي كلا الحالين لم يسأل جون كيري.. وزير الخارجية الأمريكي خلال زيارته للمنطقة عن الموقف الحقيقي لإدارته في البحث عن حلول غير عسكرية للأزمات المتفجرة التي تركها الجيش الأمريكي وراءه منذ انسحابه من العراق!!.