لا يمكن مقارنة اي رجل بذلك السائر طريق الأشواك، فالسياسة فن الممكن، ومراجعة واقعية لبعض ما نشره الحاكم المدني بول بريمر عن حكام العراق الجدد، يكفي لفهم الموقف الأمريكي «السلبي» عنهم، يضاف الى ذلك أن المدرعات الأمريكية هاجمت منزل أحمد الجلبي في وقت كانت طائرات عسكرية تنقله وثلة من «جنوده» لينزل أرض الناصرية وسط أهازيجهم بـ«تحرير العراق»، فانطبق عليه القول الشعبي العراقي «يا من تعب ويا من شقى ويا من على الحاضر…».
السؤال اليوم عن زيارة رئيس الحكومة نوري المالكي الى واشنطن، هل ستمر به على درب من الزهور أم ستكون مفروشة بالأشواك؟
في المثال الأول، وصف بريمر ساسة العراق الجدد بأقذع الألفاظ وفقاً لما تناقلته وكالات الإعلام ومنها عراقية تفاخرت بما نقل عنه، والمثال الثاني يؤكد ان واشنطن لا تملك صداقات دائمة او عداوات دائمة بل مصالح دائمة تعبيراً عن منهجها البراغماتي في فن ادارة السلطة، وما يمكن أن يصب في دورق هذه المصالح يمنح الأولوية، وإعادة تصحيح الأخطاء التاريخية الأمريكية في إعادة بناء الشرق الأوسط الكبير، يحتاج الى البوابة العراقية، حتى كنت أتساءل دائماً لماذا وافقت إيران على فتح مكتب لمؤتمر الوطني العراقي الذي يتزعمه الجلبي منذ التسعينات في احد الأحياء الراقية لطهران، وهي تعلم بأنه يموّل من دافعي الضرائب الأمريكان، وأضافت الى ذلك موافقة الولي الفقيه، المرشد الأعلى للثورة الإسلامية على دخول الأحزاب الإسلامية التي تقع داخل مصانع طاعته، التي كانت تقاتل العراق دفاعاً عن الثورة الإيرانية وتجد في إطالة الحرب العراقية-الإيرانية نوعاً من الجهاد الشرعي لإسقاط نظام صدام الدكتاتوري، فإذا بها تنتقل الى العجلة الخلفية للدبابات الأمريكية، ومن ثم توالت الأحداث لكي تتبلور الرؤية الصحيحة عن مستقبل العلاقات الأمريكية-الإيرانية، ودورها المرسوم في مستقبل بناء منطقة الشرق الأوسط، ولم تكن صيحات الحرب الساخنة في إسرائيل ضد المشروع النووي الإيراني سوى صيحات مخادعة استراتيجية، انتهت كما سبق وأن ظهرت في كتب وتحليلات عربية وغربية ومنها أمريكية تزاوج ما بين الفكر الإيراني الحديث وبين الفكر الصهيوني، ومثل هذه المخادعة يمكن أن تنطلي على الكثير من السذّج الذين يقرأون خطباً وشعارات زعامات سياسية دينية، فإذا بإيران لا ترى في شعارها العتيد «الموت لأمريكا» نصاً لا يمكن التراجع عنه.
كل ما تقدم يؤكد الاعتراف بالرغبة الأمريكية بأن تكون لإيران مثل هذه التطلعات مقابل أدوار اقليمية مطلوبة، تجعل من زيارة المالكي تسير على الكثير من الزهور وقليل من الأشواك وصح لسانك ونستون تشرشل حين قلت إن الأمريكان يجربون جميع الأخطاء من اجل الوصول الى الشيء الصحيح.