عندما حقق تحالف دولة القانون فوزه الكاسح في انتخابات عام 2009 المحلية , كان هذا الفوز نتيجة طبيعية وحتمية أملتها الظروف الموضوعية والذاتية للبلد في تلك الفترة , وكان في مقدمة الأسباب التي دفعت الناس لانتخاب تحالف دولة القانون هو الملف الأمني آنذاك , فحينها كانت العصابات الخارجة تنشر الخراب والرعب والموت , وقد حوّلت حياة الناس إلى جحيم , فكانت صولة الفرسان التي أنهت وجود هذه العصابات وأعادت النظام والقانون إلى البلد , يضاف إلى هذا الإدارات الفاسدة في بغداد وباقي محافظات الفرات الأوسط والجنوب والتي كانت تحت سيطرة المجلس الإسلامي الأعلى , فهذه الأسباب الرئيسية وغيرها من الأسباب الأخرى المتمثلة بالوضع الاقتصادي والخدمي قد دفعت الناس للتغيير والالتفاف وراء شعار دولة القانون , فكانت هذه الفترة هي الفترة الذهبية لتحالف دولة القانون , وكانت الجماهير تنتظر التغيير المنشود , التغيير الذي يؤسس لدولة القانون والمؤسسات والمواطنة , لكنّ المالكي الذي ينتمي للتيّار الإسلاموي لم يستطع هو وحزبه أن يستوعب هذا الالتفاف الجماهيري والرغبة في بناء دولة القانون والمؤسسات , فعاد إلى ذات الإدارات الفاسدة في بغداد وباقي محافظات الفرات والجنوب , وأحاط نفسه بشلة فاسدة وجاهلة لإدارة البلد تسببت له بكوارث لها أول وليس لها آخر .
وبالرغم من أنّ الدستور العراقي لم يحدد ولاية رئيس الوزراء كما حددها بالنسبة لرئيس الجمهورية , لكنّ هنالك أسباب موضوعية وذاتية تمنع عودة المالكي إلى رئاسة الوزراء لولاية ثالثة , وفي مقدمة هذه الأسباب الموضوعية هي ملفات الأمن والفساد المالي والإداري والخدمات والبناء والإعمار ومعالجة البطالة المتفشية في المجتمع والملف الاقتصادي وملفات العلاقة مع حكومة إقليم كردستان والكتل السياسية الآخرى , فالمالكي قد فشل فشلا ذريعا في كل هذه الملفات ولم يتقدم خطوة واحدة , بل على العكس من ذلك فقد تراجع كثيرا إلى الوراء , وإذا أضفنا العامل الإقليمي والدولي المتمثل بعلاقة العراق مع دول الجوار والولايات المتحدة الامريكية ودول الاتحاد الأوربي التي تميّزت بالبرود والتقاطع بسبب سياسات حكومة المالكي , فإننا سنصل إلى جملة من العوامل الموضوعية التي تقف حائلا أمام عودة المالكي لولاية ثالثة , يضاف إليها العوامل الذاتية التي تتعلق بهيكلية تحالف دولة القانون نفسه , فهذا التحالف لم يعد ذلك التحالف المتماسك والمنسجم خصوصا علاقة المالكي بحليفه حسين الشهرستاني , فهذه العلاقة قد تعرّضت لهزّات عنيفة دفعت المالكي لتوجيه انتقادات حادة وجارحة للشهرستاني علنا وأمام الرأي العام , وكذلك الخلافات التي نشأت بين حزب الدعوة وباقي التكتلات السياسية الأخرى في تحالف دولة القانون كتكتل منظمة بدر التي يقودها هادي العامري , على خلفية توزيع المناصب في المحافظات التي شكّلت فيها دولة القانون الحكومة المحلية .
يضاف إلى هذه العوامل الموضوعية والذاتية التي أصبحت حتميّة للتغيير , تخبطات نوري المالكي نفسه وخصوصا في السنة الماضية , حيث باتت سياساته وتصرفاته تشكل عبئا ثقيلا وإحراجا لكل حلفائه في التحالف الوطني أو في تحالف دولة القانون , خصوصا بعد حديثه عن أبنه أحمد الذي استفزّ مشاعر كل العراقيين وأظهر حقيقة فهمه لإدارة الدولة , فالمالكي لم يعد كما كان سنة 2010 عندما حصل على 624 ألف صوت في بغداد وحدها , خصوصا بعد أن أطالت ملفات الفساد كل طاقمه والمقربين منه , وها انا أتحدى نور المالكي أن ياتي بنصف الأصوات التي حصل عليها في الانتخابات الماضية , ففضائح الفساد التي أطالت أركان حكومته ستطيح به وبحزبه من السلطة , وفي الختام اقول للكاتبة المبدعة هايدة العامري لا تخافي ولا تحزني , فالمالكي راح ينطيها وهو الممنون .