تعصف في بعض المدن العراقية ضجة أمنية توارت من خلف قضبان الخلافات السياسية في المنطقة الأكثر رفاهاَ وأمناَ في العاصمة بغداد (المنطقة الخضراء)، نتيجة عدم التوافق بين القادة السياسيين، فالخلافات السياسية كانت العامل الأكثر فعالاَ في إشعال نار الفتنة وتوتر الأمن في المناطق ذات الأغلبية السنية في العراق ومن بينها نينوى والأنبار وتكريت.
النهج السياسي والعسكري الذي سلكه نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي وبصفته القائد العام للقوات المسلحة خرج عن الطور المألوف لأي شخصية سياسية ترغب في معالجة النواقص والخلافات على أقل ضرراَ لدى الشعب والمصلحة العامة والشخصية أيضاَ، إلا ان الدوافع الذاتية والدعم الخارجي من لدن بعض الدول وَلد عند المالكي هذا الشعور، بان السكوت والحوار السياسي سيكون محل خجلاَ له كرئيس وزراء، لذا أصبح الرد العسكري هو الحل الأكثر وروداَ فكرياَ لدى رئيس الوزراء وبالتالي ادى ذلك الى التفجير الطائفي الأكبر في تأريخ ما بعد سقوط الصنم (الإطاحة بصدام حسين).
منذ بدء المرحلة الجديدة في عراق ما بعد العام 2003، شعر السنة بالتهميش وكانوا دوماَ بحاجة الى مراعاة هذا الشعور بالمعالجة فكرياَ وبحسن السلوك من قادة الشيعة في العراق وخاصة الذين هم على دكة الحكم وعلى رأسهم نوري المالكي، أو بالأحرى بعد أكثر من 3 عقود من الحكم ثم إبعادهم وتهميشهم، فيكون ذلك غير مهضوم سريعاَ ولا يتأقلموا في مثل هذه الأجواء بسهولة. إلا ان المالكي وبالتحديد بعد إنطلاق المظاهرات والإحتجاجات التي نشبت في المدن السنية بعد ظل غياب الرئيس جلال طالباني، بسبب جلطة دماغية تعرض لها نهاية 2012، حيث كان الحاجز الأهم دوماَ أمام إندلاع وتفجير الوضع الطائفي بين الشيعة والسنة.. فلجأ المالكي الى إخمادها عن طريق القوة وبالتالي النتيجة كانت مخيبة للآمال، فظهور ما يسمى بثوار العشائر وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) وضباط النظام البعثي البائد هيّ وليدة هذه التكهنات غير الصحية لسياسية المالكي، رغم ان ما يجري في المناطق السنية لحد الآن يعرف عند البعض بحالة فاقدة الهوية والتعريف، كون الثوار يقولون نحن من طرد قوات المالكي من الموصل، بقايا النظام البعثي يقولون نحن أصحاب الثورة، وكذلك تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام يقول نحن نعلن دولة خلافة إسلامية.
ففي أجواء هذا التوتر، وسرعان ما ادلى الرئيس الامريكي باراك اوباما رأي الإدارة الامريكية بشأن أوضاع العراق ومجيئ وزير الخارجية الامريكي الى بغداد واربيل ولقائه المسؤولين هناك، إضافة الى الرأي الروسي والبريطاني ودول المنطقة والجامعة العربية حيث أبدوا مخاوفهم مما يدور على الساحة السياسية والأمنية، وتبين ان الدول الإقليمية والدول العظمى أدركت جيداَ ان بقاء المالكي على دكة الحكم أمر يجابه الرفض داخلياَ وخارجياَ أيضاَ، حتى ولو تولى تشكيل حكومة متعددة الأطراف وحكومة شركة وطنية حقيقة، بعيداَ عما تم إثارته قبل أحداث الموصل بتشكيل حكومة أغلبية، لان التجربة السابقة رسمت ملامح هذا الرفض القاطع لدى جزء ليس بقليل من الشعب العراقي على سياسة المالكي التي وصفت بسياسة الإقصاء والتهميش والطائفية.
لذا ستكون المعادلة السياسية التي لا ترسم بعيداَ عن التدخلات الإقليمية والدولية، بالنهاية، خارجة عن طرح اسم المالكي رغم حصده العدد الأكبر من المقاعد البرلمانية بين الأحزاب والكتل الاخرى في الإنتخابات التشريعية التي جرت في 30 نيسان 2014.
فإيران لاتريد ان تدعم شخصاَ يعاني عدم توافقات القادة والأحزاب السياسية الشيعية في العراق إضافة الى الرفض السني، لذا ستكون مقتنعة تماماَ بطرح شخصية أخرى على الأقل قريبة منها ولا تجابه بالرفض الكبير كما نراه عند وجود المالكي حالياَ.
وأيضاَ امريكا هيَ الاخرى شعرت بضرورة إيقاف حكم المالكي رغم دعمها له سابقاَ، كون ما يحدث الآن في العراق هو خطر على امريكا ومصالحها، وبالتالي تعمل كل شيء من أجل عدم غلغلة مصالحها، ومن أجل إيقاف المد الإرهابي في العراق الذي خرج من رحم تنظيم القاعدة، في العراق، نتيجة عدة خطوات امريكية، منها دخول العراق وحل الجيش السابق في 2003، ثم الخروج في وقت لم تكتمل جاهزية الجيش العراقي ولم تطور قدراته ما خلق نوع من الهشاشة والإنكسار وعدم الخبرة والتجربة في صفوف الجيش.
السنة، هم أيضاَ، المحرك الرئيس لما يجري في المدن ذات الأغلبية السنية في العراق والتي تجري فيها الأحداث، يرفضون بقاء المالكي بسبب سياسة الإقصاء والتهميش ضدهم، ويعملون كل شيء من أجل إزاحته عن الحكم وعدم ترشيحه لمنصب رئيس الوزراء مجدداَ. فكانوا شركاء في الحكم واعتبروا الشراكة غير حقيقية، فقد سلكوا كل الطرق لإسقاط الحكومة التي كانوا هم جزء منها. وتفجير الوضع في فترة ما بعد إعلان نتائج الإنتخابات أكبر دليل على إنتهاج سياسة العنف لإنهاء سلطة المالكي.
وداخلياَ أيضاَ، الكورد أعلنوا سابقاَ رأيهم بشأن للمالكي، الخلافات بين أربيل وبغداد على تطبيق المادة 140 الدستورية الخاصة بالمناطق المتنازع عليها إدارياَ وتشمل كركوك وخانقين وجزء من الموصل، وملف النفط المصدر من إقليم كوردستان، ومسألة تسليح وتمويل قوات البيشمركة، وعدة مسائل أخرى، جعلت من الموقف الكوردي حاجزاء أمام تطلعات المالكي.
وإقليمياَ وبما أنه يشتبه ان تكون حكومة بغداد متورطة في دعم النظام السوري برئاسة بشار الأسد، ومسهلة لإمداده بالأسلحة، خلق ذلك نوعاَ من الغبار في العلاقة الدبلوماسية عند بعض الدول مع العراق، وأعلنت بغداد أن ما يحصل على ارضها نتيجة عدم إدراك الحجم الكبير للمشكلة على الأراضي السورية، وقالت انها تدعم الحل السلمي، لذا وضعت بعض الدول العربية علامة إستفهام حكومة بغداد التي يرأسها المالكي.
كل هذه العوامل ستضع المالكي خارج حسابات أمريكا وإيران وبعض دول المنطقة، إضافة الى الرفض الداخلي. والمشكلة تبدأ من جديد، بعد ذلك الحين، فيجب ان يكون البديل للمالكي على الأقل مقبولاَ لدى خصمين قويين وهما إيران وأمريكا، فطهران لا يصلح لها من يكون على قمة الحكم في العراق بعيداَ عن رأيها وتطلعاتها ويخالفها المضمون الحكمي والطائفي أيضاَ، وواشنطن بنفس المنوال، وبهذا ستكون تشكيلة الحكومة القادمة صعبة المنال للعراقيين والدول الخارجية.