8 أبريل، 2024 8:06 م
Search
Close this search box.

المالكي بين العزلة والعزل

Facebook
Twitter
LinkedIn

يجب ندرك اننا جميعا امام منعطف تاريخي حقيقي يتمثل بالانتخابات القادمة والتي نريدها ان تكون مختلفة تماما عما سبقها والثوابت التي يجب ان نتفق عليها هي دعم العملية السياسية الحالية واستخدام الصندوق كوسيلة للتغير ، لان تخيل امرا مختلفا عن هذين يدخلنا ببحور دماء ابشع مئات المرات من تلك التي نخوض بها يوميا ، وحتى نكون على مستوى من الوعي وقدر من المسؤولية يجب ان لا نتعامل بما يتعامل به الساسة ، فالسياسة قذرة و… تعرفون الساسة ، فهم لا يتورعون عن القيام باي فعل يديم البقاء او يتيح الوصول لما هو اكبر ، وهم ايضا ليس لديهم ما يخسرونه فقد امنوا الحد الادنى من البداية وعبروه باشواط ، اما نحن اولئك الذين هم خارج دائرة السلطة والقرار والحاشية والمنفعة ، وندعي اننا لا نريد الا مصلحة هذا الوطن ،  يجب علينا ان نجري عملية تقييم موضوعية للمرحلة السابقة وقراءة متبصرة لشخوصها حتى نتمكن من التغيير نحو الافضل لا الاسوأ ، المبالغة والتضخيم والتخيل والابتداع تصلح للتندر والضحك والمجاملة ، لكنها لاتصلح كطريقة عيش ولا في بناء الامم وهي ايضا لاتصلح في السياسة ، ومانراه اليوم من حملات مبكرة للتسقيط السياسي يندرج ضمن هذا الباب ،
لا نأتي بجديد ان قلنا ان اصوات الكرد للكرد واصوات الشيعة والسنة والاقليات بالمثل ، كما حدث في الانتخابات السابقة ولن تختلف هذه الانتخابات الجديدة ولا التي تليها عن هذا التصنيف والتوجه فلا امل يلوح في الافق القريب للخروج من الدائرة الاثنية والطائفية التي تم وضعنا فيها ، والصراع الانتخابي سيقتصر بين السنة فيما فبينهم والكرد والشيعة كذلك ، على الرغم من الاختلاف الجذري في توجهات الناخب لدى الاطراف الرئيسية الثلاث ، الناخب السني وتحديدا في محافظات الانبار ونينوى وصلاح الدين لايعبأ كثيرا بالحصة التموينية والكهرباء والخدمات الاخرى ولايهتم بالبطالة ولا مهزلة مجلس النواب فقد استطاع الساسة ان يحصروا اهتماماته بالتهميش والتوازن وحقوق اهل السنة المغتصبة  لذلك فهو ينتظر ان يسمع من المرشحين مناداة صريحة عالية بهذا الاتجاه وبعض السباب لايران وبعض من تليمحات واضحة الى صفوية ومجوسية تلصق بهذا وذاك دون تعميم واضح ،  اما الناخب الكردي فمشغول بقضايا تتعلق بمزيد من الديمقراطية والحرية والخروج من دائرة الهيمنة العائلية لبعض قادته ، ويتبقى الناخب الشيعي الذي يحسد السني على تهميشه ، ، ويحسد الكردي على حكم العائلة مادامت تقدم مايراه على ارض كردستان ، مكتفيا بارواء ضمأه من ممارسة طقوسه المحظورة سابقا حيث نجح الساسة الشيعة في جره اليها واغراقه بها في وقت لم ينل من حكومة تمثله الا الفقر والجوع والحرمان والغرق في مستنقعات الامطار و طفح المجاري
  وفيما يتعلق بساسة الشيعة وصراعاتهم فمن المعروف ان جمهور المجلس الاعلى محدود وكذلك التيار الصدري وكلاهما له جمهور لن يغير قناعاته حتى لو رأى عيانا ماينقص من قدر قادته ، ولن يزيدوا بشكل ملفت قطعا لان الاخرين لن يغيروا قناعاتهم بالمجلس والتيار لو اسبغت عليهم وبالحقائق صفات الانبياء  ، هؤلاء الاخرون وهم الاعم الاغلب ليسوا جمهور حزب الدعوة ولا المالكي ولكنهم يناصروه نكاية بالاخرين ولعدم توفر البديل واملا بتحقيق احلامهم بتوفير العيش الكريم والخدمات . 
الخلاصة اننا ٍاختبرنا حتى الان تجربة علمانية في زمن عصيب ووقت قصير اختار صاحبها ان يضيع فرصته لجهله بخطورة دور التيارات الدينية وتعجله في ارسال رسالة ايجابية للبعثيين فيما دماء الناس لم تجف بعد ، واختبرنا تجربة حزب الدعوة ، هذا الحزب العتيد المناضل الذي شكل رعبا وارقا دائم لصدام طيلة فترة حكمه ،  وما كان ينقص زعيم حركة الوفاق من الوقت توفر لزعيم حزب الدعوة ولدورتين متتاليتين ، لكن مالم يناله وكان يحلم به ، اليد الطولى والتخلص من المحاصصة ، لذا فان اطلاق صفة فترة حكم حزب الدعوة فيها بعض التجني رغم انه يمكن ، وبسهولة ، تخيل كيف ستكون فترة الحكم المطلق التي يريدونها، كذلك وبدون الحاجة لاختبار جهات مثل المجلس الاعلى والتيار الصدري او الفضيلة فقد كانوا رؤساء حكومات مصغرة في مؤسسات ووزارات مختلفة والاشارات الصادرة عنهم يمكن ان يتلقفها حتى الاعمى والاصم  .
وحتى نقيّم تجربة اياد علاوي يمكن ان نختصرها بان الرجل لم يأخذ فرصته وان مشروعه الوطني ضاع وسط الهياج الطائفي لكنه فعل مايكفي ليثبت انه لايستحق الفرصة ، فالمناضل الذي كنا نسترق السمع لاذاعة حركته ونحلم ان يكون المخلِّص اختار ان يلعب دور الامعة في قائمة شكلتها السعودية ، اما المالكي  فقد رضي ان يلعب دور بديل اللحظة الاخيرة في قائمة شكلتها ايران ، وبدأ الرجل عمله بمؤتمر صحفي كان فيه تائها بين الضيوف والصحفيين والندل في الفندق بدون ادنى تنظيم يليق بالحدث وانتهى بجيش جرار من الحاشية والمستشارين ولقب دكتاتور ، لقد فعل الرجل الكثير واسس للكثير وتغيرت في زمنه اشياء كثيرة ، تمتع بقوة وصلابة لايتمتع بها احد ممن نعرف ، ناصبته السعودية وسوريا والاردن وتركيا العداء وحاربه خصومه في الداخل وحتى حلفاءه لم يريدوا له النجاح باي شكل من الاشكال ، كانت حربا شعواء استخدمت فيها احط الاساليب واكثرها خسة تكاتف فيها جميع من في الخارج والداخل ، الصديق والعدو ، لم يضعوا العصي في العجلة بل احرقوها ، عاش عزلة اقليمية ومحلية غير مسبوقة ومع ذلك صمد لانه قوي وصبور ولان هناك ارادتان كانتا تريد له ان يستمر ، امريكا وايران ، امريكا التي مازالت تعشق القادة الاقوياء لا الديمقراطيين والتي لم تجد في كل ما حولها من هو اجدر منه وايران التي تريد شريكا قويا يستمع ( للنصائح ) وتبتعد به عن شبهة التدخل المباشر بدلا عمن يحسب عليها .
لذا عند تقييم مرحلة المالكي يجب التخلي عن وصفه بما ليس فيه فالرجل لم يأتي على ظهر الدبابة الامريكية وحزبه لم يكن ممن حضر مؤتمر لندن ولا مؤتمر صلاح الدين ولامن الذين منحوا بركتهم للاحتلال ، فاذا بقيت مصرا على اتهامه بهذا فانت لاتريد حلا حقيقيا مبنيا على اسس سليمة ، واتهامه ببيع السبح في دمشق يظهر سوقية في التعاطي مع ملف مهم ، واتهامه بانه لم يفعل شيئا طيلة فترة حكمه مجانبا للحقيقة ، واول البدايات الناجحة ان يكف خصوم المالكي واعداءه عن اختلاق القصص وافتعال الحوادث وفبركة الوثائق المزورة والتركيز على الاخطاء الحقيقية ، وهي كثيرة ويفضل ان لاتخرج هذه الانتقادات على السنتهم فهم وبكل الاحوال اسوأ من المالكي وفيهم من العبر ما ليس في المالكي ، الافضل ان يصمتوا تماما ، فللناس عيون ترى واذان تسمع وعقول تفرز الغث من السمين ، والناس ترى حتى ما لايرون . فلاتستفزوا الناس فتدفعوهم دفعا لانتخابه .
اول اخطاء المالكي حين قال ماننطيها ، وهو  وان عبر عن مكنون شيعة العراق قاطبة دون استثناء لما لاقوه من جور طوال قرون لكنه بهذا نسي انه يمثل كل العراقيين وارسل رسالة سلبية لسنة العراق الذين لم يكن لهم دور بمعاناة الشيعة ان لم يكونوا هم من عانوا ايضا من هذا الجور ، وبالتالي كانت رسالة استفزازية لنظام طائفي كالسعودية يملك المال والادوات للعبث بامن العراق ، ومما زاد الطين بلة عجزه العجيب فلا هو يشتري رضا السعودية حفاظا على امنه ولا هو يبتدع وسائل ضغط عليها يساومها بها لقاء الامن  ،
ومن اخطاءه ايضا تعامله غير المدروس مع شخصيات مثل العيساوي والهاشمي لها ثقلها في اوساطها ، تدخله في عمل القضاء وسكوته عن ظاهرة هروب السجناء وعدم وضع حد لها ، تمسكه باسماء لم تقدم شيئا بل اخفقت كثيرا من مثل ولي امر الداخلية المتربع على عرشها حتى من قبل ان ياتي المالكي ، وللمالكي مشكلة كبيرة مع الفساد ، وان كان الفساد ليس وليد عصره وان كان نظامنا صيغ بشكل لا يشجع على الفساد فحسب بل يشرعنه لكنه يبقى مسؤولا مادام على راس هرم السلطة وكونه لم يفعل شيئا مطلقا في هذا الملف ، اخفاءه لملفات فساد وارهاب لاتخلو من حكمة لكن هذه الحكمة جعلتنا نتربع على عرش الدول الاكثر فساد والاقل امنا !! ، مساعدته لوزير التجارة بالافلات من العقاب ، عدم بذله اي جهد في ملاحقة ومعاقبة وزراء الكهرباء وقد اتهموا جميعا بالفساد ، التغاضي عن الفساد الذي يتفشى في مؤسسات مهمة كالشرطة والجيش وتمسكه ببعض القادة  والمستشارين ودخوله معترك الحصول على المغانم لحزبه في مناصب مثل السفراء والمدراء وغيرها مشاكل حقيقية في حكمه وما الدور الذي منحه لابنه ونوه عنه بزلة لسان قاتلة الا اكبر مشكلة كان بغنى عنها تماما في هذا الظرف ، لهذا ولغيره من مسلسل الاخفاق في مفاصل نعرف تماما انها من صلاحياته الحصرية  لا يجب اعادة انتخاب المالكي سواء اعجبنا ام لا وسواء كان افضل المتاح ام لا  لاننا يجب ان نؤسس لتداول سلمي للسلطة وان لانمنح احد فرصة اكثر من دروتين وان كان ناجحا وان لم يمنعه الدستور من ذلك  ، ولنبعد عنا شبح اثنتين من الكوارث يريديها ساسة العراق ، المقاطعة وتجربة المجرب .
 اقول هذا وانا اظن ان التغيير ، ان حصل ، لن يكون الا نحو الاسوأ ، الية هذا النظام الذي ابتدعوه هي من تقرر ذلك وتجعلنا نتنبأ به ، لكن هذه السوداوية لا يجب ان تعمينا عن رؤية حقائق واضحة ، فنحن نعلم ان وظيفة شركاء المالكي واعداءه وخصومه هي اعاقة عمله والوقوف ضده في كل الاحوال ، هذا ما اقره دستورنا العظيم ! واكده دين التوافق الذي نعبد وسَنّه فقه المحاصصة الباقية ابدا كوجه الله  ، فلا تثريب عليهم جميعا وقد ادوا واجبهم على اكمل وجه وازادوا ، اما وظيفتنا نحن ان نقول له اخطأت في هذا ان اخطأ واصبت في هذا ان اصاب وحسابنا معه في الصندوق ، واخشى اننا ، جميعا ، سنندم يوما عندما نتذكر مواقف مشرفة للمالكي ونحن نرى خلفه وقد فرط بها ، سنتذكر موقفه من الاقاليم ونزعات التقسيم حين طالب بها من كانوا يتشدقون بوحدة العراق كذبا ، وسوف نتذكر نجدته لابناء كركوك حين اشتكوا من سلطان الاشايس فاعترضت العراقية عليه واتهمته باختلاق الازمات وحين شدد على عراقية كركوك خرج عربها ، لاغيرهم ، للتنديد به ، سنتذكر تصديه للتمدد الكردي على مناطق في محافظات جمهورها يمقته ويوالى من صمتوا عن تصديه هذا صمت اهل القبور ، سنتذكر موقفه من تصدير الاقليم نفط العراق لحسابه الخاص فيما يغض الطرف من يلوك بسيرة المالكي ليل نهار ، سنندم لان المالكي ليس ارهابيا ولا قائد مليشيا ولا زعيم عصابة ، لم يتورط هو او حزبه بدماء عراقيين ابرياء ، لم يقتل العلماء والطيارين والاطباء ، لم يصفي البعثيين في مناطق الوسط والجنوب  ، كما انه ليس بالطفل الاخرق ولا النزق او المتقلب ، ولم يتأثر بالضغوط ولم يرهن ارادته ولم يجب العواصم بحثا عن دعم كهؤلاء الذين ضجت جوازاتهم باختام الرياض والدوحة وانقرة وسنندم لاننا لم نفطن لاصطفافنا دون وعي مع هؤلاء . لكننا ايضا سوف لن ننسى مسيرة الرجل الطويلة في الاخفاق والعجز والفشل في ملفات عدة ومفاصل كثيرة كان سهلا عليه النجاح بها لولا ثقته وتقريبه واتكاله على المنخنقة والنطيحة والمتردية وسقط المتاع .
[email protected]

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب