“هل سيعتذر المالكي لحزب الدعوة؟”..سنتان ونصف مضت على مقال كتبناه بهذا العنوان, كان بمثابة الإستشراف لمصير الرجل المتحكّم بالحزب والكتلة, والساعي لبسط نفوه على الدولة بطريقة مشابهة تماماً للنظام البائد, فحتى الأصهار تمت إعادة تدويرهم!..
لم يكن نائب رئيس الجمهورية المطاح به موقناً بحتمية النتائج, إذ بقي يلعب على الإختلافات وهموم الناس. إنّ المقدمات التي صنعها المالكي لا يمكن أن تقود لغير النتيجة التي يعيشها العراق بكل أزماته الأمنية والسياسية والإقتصادية؛ لذا إنتهج السيد المالكي طريق اللاعودة, حرصاً على ديمومة زخم الأزمة كوسيلة لبلوغ “حلم السلطة المزمنة”.
إنّ الأدوات التي إستخدمها نائب رئيس الجمهورية المقال, من جنس لا يتوائم مع طبيعة النظام العراقي الجديد وقواه الفاعلة وعلى رأسها المرجعية الدينية, ربما فقر التجربة أدى به إلى إستيراد تجارب من أزمان وأنظمة أخرى (كالنظام البعثي الصدّامي). ظاهرة (المالكي) ليست بالظاهرة الجديدة في المجتمع السياسي العراقي إذا ما جردناها من الإختلاف في ظروف وعوامل تكوين البيئة السياسية, سيما إنّ الرجل صعد إلى السلطة وقُدم (لم يتقدّم) إلى الطبقة الأولى, كمرشح تسوية, بعد أن كان ينشط في هامش العملية السياسية أبان تأسيسها.
لا تشذ النتائج عن طبيعة المقدمات, وكحال معظم أصحاب النزعة التسلّطية في مأسسة حالة من اللاشعور الشعبي المتجه نحو الهاوية. وقد وصلت الدولة إلى الهاوية فعلاً؛ إحتلال, إنسداد سياسي قاد إلى صورة قاتمة, نزيف في الثروات والدماء, وغياب شبه تام في البنى التحتية لجميع مقومات الحياة الضرورية كالكهرباء والخدمات الأخرى بعد ثمان سنوات!.
تلك هي الكوارث, ولا حاجة للقول “إننا نتجه للكارثة”, الأمر الذي دعى المرجعية الدينية وقوى سياسية وإجتماعية إلى التدخل. المرجعية العليا تدخّلت بشكل مباشر لإبعاد (حاضنة الكوارث). المرة الأولى عندما وجهّت علنا بالتغيير أثناء الإنتخابات البرلمانية العامة. والمرة الثانية عندما أمسكت زمام المبادرة للدفاع عن الوطن, والثالثة حينما وصفت السيد المالكي ب”المتشبّث”, والرابعة حين أجابت على رسالة حزب الدعوة بـ”ضرورة التغيير وإختيار رئيس وزراء جديد”, والخامسة في أزمة التظاهرات الشعبية المطالبة بالقضاء على أزمة الخدمات والفساد الذي هتك ستر الدولة.
لقد حاول نائب رئيس الجمهورية, إستغلال التظاهرات عبر زجّ بعض العناصر ودس بعض المطالب البعيدة عن أصل المشكلة مثل (تغيير شكل النظام).
الدولة تعيش أسوأ الظروف, وزعيم حزب رئيس الحكومة يتآمر على الحكومة..مفارقة تبدو مثيرة لفضول الباحثين في شؤون أحزاب الشرق الأوسط. وبغض النظر عن محاولات تجيير الحراك الجماهيري لجهة بعينها, يبقى طابع ذلك الحراك جماهيرياً مطالباً بكسر الجمود والتقدّم نحو المستقبل.
إنّ دعم المرجعية والجماهير العراقية لحكومة السيد العبادي وحلفاؤه, أسقط ورقة خطيرة ومحاولة قد لا تكون الأخيرة, من محاولات العودة إلى السلطة.
قفز المالكي من سفينة مخرومة عندما تبرأ في الوقت الضائع من (تجيير التظاهرات), وبهذا القفز إعتذاراً تكتيكياً لحزبه. غير أنّ الخلافات بينه وبين الحزب لم تعد تتمحّور حول موقع؛ إنما أخذت نمطية الإنسجام أو التقاطع مع متبنيات الأمة ومصالح الناس. مضيّ العبادي بطريق الإصلاح, يفترض حتمية فتح جميع الملفات المساهمة في الفساد والفشل, وكلها تخضع لمسؤولية الرجل الأول خلال ثمان سنوات..أمام المالكي أمرين لا ثالث لهما: المثول بشجاعة أمام القضاء وتحمّل مسؤولية تلك الملفات, أو الخروج من الحزب وإجماع الأمة إلى الأبد.