“الرجل الذي فقد ظله ” عنوان رواية لفتحي غانم ، علق بذهني لطرافة الإيحاء وابتكار الفكرة ،والظلّ هو الإنعكاس المقابل للجسد حينما يغمره نور الشمس أو الضياء المنبعث من القمر أو المصابيح المضاءة،وفي يفاعتنا كنّا نلعب والقمر بدر، لعبة نسميها (أم خويل) حيث نقف بصفّ متواز ثم يدحرج أحد اللاعبين حجراً على ظلالنا ، ومن يقف الحجر أمام ظلّه يكون هو اللاعب الرئيس الذي يطارد الآخرين كي يأسرهم .
لكن كيف يمكن لإنسان أن يفقد ظلّه ؟
إن كان الظلّ بالمعنى الحرفي ، فيكون ذلك في واحدة من حالتين : أما انه يقف في العتمة ولا انعكاس لظلّه ،أو إنه مجرد شبح هلامي لايقف الضوء عنده كي يحدث ظلاً، وفي المعنى المجازي ، يقصد بمن فقد ظله ، ذاك الذي فقد قيمته وتأثيره فلم يعد من مبرر لوجوده في مكانه أو موقعه .
وللتدليل على قيمة (الظلّ ) برمزيته المكثفّة ، كلمة (دام ظلّه) التي تُذكر مترادفة عند الحديث عن أحد مرجعيات الدين الكبار ، كناية عمّا له من مكانة في النفوس وتأثير في الناس .
فقدان الظلّ ، مرحلة دخلها المالكي وفريقه بشكل أوضح مما كان متوقعاً – ربما بعد أن فاجأته الأحداث الإقليمية والدولية بما لم يحسب حسابه- فهو الآن يعيش في (عتمة ) الفعل ويعاني شللاً يكاد يفقد فيه جوهرياً ، حتى الكرسي المتحرك رغم ضخامة الإدعاء بعكس ذلك ، إذ لم يعد هناك الكثير من المبررات التي تسوغ وجود حكومته، سوى ذلك التباهي المضحك / المبكي ، بأنه أول من ( تنبأ) ببقاء النظام السوري كل هذه المدّة ولم يسقط منذ الأشهر الأولى ،ربما لأن المالكي لم يقرأ – أو يتجاهل عامداً – سلسلة من المقالات المنشورة في صحف عراقية ، وقد تحدثت بإسهاب ومنذ الأيام الأولى للأحداث في سوريا وماقبلها ، عن حيثيات ومعطيات إقليمية ودولية ومحلية ، تشير بأن سقوط النظام السوري سوف لا يختلف كثيراً عن إسقاط كل من صدام حسين ومعمر القذافي ، أي سيكون عنيفاً ودامياً ،وقد رصدت تلك المقالات الأزمة السورية بتطوراتها ومساراتها المختلفة ، وبالتالي فليس ل” تنبؤات ” المالكي قيمة تذكر قياساً بما جاء في المقالات المذكورة (1) .
لقد “صمد ” صدام في الحكم أحد عشر عاماً رغم خروجه من هزيمة مدّوية في حرب الخليج الثانية ومن ثم وضعه في حصار خانق ،ثم تطلب الأمر غزواً عسكرياً خارجياً لإزاحته ، أما القذافي فقد استمر في ” مقاومته ” مايقرب من عام إلا قليلاً ،رغم كثافة تدخل قوات الأطلسي الجوية والبحرية .
ذلك يظهر أن ” تحليلات ” رئيس الوزراء لاتعبّر عن عمق في الرؤية ولا حكمة في السياسة كما يحاول الإيحاء، فقد كان يعتقد بمناعة نظام الأسد ، حتى قبل أيام من الانفجار الكبير ضد نظامه، لكنه رهان قائم على المساندة والتعاطف مع نظام فقد مبررات بقائه .
المالكي والمقرّبون منه يتبنون مقولة ” إن سقوط الأسد يعني انتقال المعركة إلى تخوم بغداد ” متناسين حقيقة إن المعركة كانت في قلب بغداد وليست على تخومها وحسب ، وإن النار كانت تلفّ مدن العراق وتفتك بأبنائه ، حينما كان بشار الأسد بكامل قوته واستقراره ، وبالتالي تشرف أجهزة مخابراته على عشرات المفخخات ومئات الإرهابيين الذين كانوا يدخلون العراق من سوريا يومياً – سمعت ذلك من المالكي شخصياً أواخر عام 2005- أمّا القول ب” حكمة ” الحكومة في موقفها من سوريا ، فتنفيه الوقائع والشواهد الصادمة في وضوحها ، إذ تظهر إنحيازاً للنظام واعتبار مايجري جزءاً مؤامرة على نظام وطني من قبل الثالوث الأمريكي/ الصهيوني / الرجعي العربي ، وهي المقولات ذاتها التي كان يتبناها الخطاب العربي في معرض دفاعه عن نظام صدام حسين ، لكنها مقلوبة هذه المرّة .
إن الوظيفة الأساس لأيّما حكومة ، هي قدرتها على أداء المهام الموكلة إليها في تسيير شؤون الدولة وتقديم الخدمات الضرورية لحياة الناس والإشراف على نشاطات المجتمع ، والحفاظ على أمنه وصون سيادته ،وذلك باتخاذ سياسيات حكيمة وإجراءات تنأى بالشعب أن يكون في موقع الاستهداف داخلياً وخارجياً ،وبالتالي تجعل من العراق في موقع محوري مؤهل له بحكم إمكاناته وموقعه ، وكلها قضايا لم يقدم فيها المالكي وحكومته شيئاً يذكر ،بل أن الإخفاق المتكرر في معالجة تلك القضايا – ناهيك بمواجهتها – زادت من تفاقم الأمور إلى درجة دفعت المالكي ليكون في موقع الخطر على العراق كبلد وشعب ، وليس مجرد خلافات بين فرقاء سياسيين حول أفضل السبل للإرتقاء بالبلد .
في كلّ ذلك ومن جرّائه ، أصبح المالكي كالرجل الذي فقد ظلّه، سواء في المعنى المجازي الإيحائي ،أو بالمعنى الحرفي ، حيث تراجع الدور والتأثير فيما يشغله من موقع ، لذا فإن أقرب أصدقائه العاقلين ومن ذوي الفكر النيّر والرؤية السليمة والإستقلالية الوطنية ، لابد أن ينصحه بتصحيح سياسته أو التنحّي ، كي يحافظ من ثم على ماتبقّى من رصيد كان له ذات يوم ، وربما من المفيد أن يقرأ سيرة الرئيس اللبناني السابق إميل لحود كيف بدأ وكيف أنهى ولايته ؟
(1):المقالات المشار إليها هي :
أ- الحاكميات العربية – من النظام الى المنظومة – جريدة المواطن العراقية 27/ 12/ 2010
ب- غوغائية الحكام – نظامية الشعوب المصدر أعلاه 29/5/ 2011
ج- سوريا – السعودية – تكتيكات الوضع ، استراتيجية الموضوع – المواطن – 10/ 6/ 2011
د- روسيا (الصفوية ) أمريكا ( العثمانية – وحقل اسمه الشرق – المواطن 6/8/ 2011
ه- مشاهادات سورية بعيون عراقية المواطن 27/9/ 2011
و- سوريا – العراق ، صورتان متناقضان لمشهد واحد = = 12/ 3/2012