قدر اكبر من الحظ، طوح بنوري المالكي من الحواري المحيطة بضريح السيدة زينب في دمشق، الى دفة رئاسة الوزراء، في العراق، استحقاقات ادائية، كان بامكانها ان تجعل منه بطلا قوميا يخلده التاريخ؛ لو واصل العمل مثلما ابتدأه!
فالانجازات الوطنية المثلى التي حققها، خلال السنوات الممتدة، بين عامي 007 و2009، كفيلة بنقش اسمه على صفحة المجد، الذي فوجئنا به، يغادره بعيدا، عقب افتراشه سنوات المحنة، بحسن الاداء.
عرفته وخبرته، لذا لن ابيع صاحب، له عليّ حق النصحية، أؤديها له، فان شاء قبلها وان شاء رفض.. سيان؛ لا يضيرني الا ما يمس العراق.
اشتركنا معا في اعدام الطاغية المقبور صدام حسين؛ ما ادى الى استتباب الامن، بعد ان قطع البعثيون الامل، فشاهوا تائهين، لا سباحة يتمسكون بها في غرق لجي وسط امواج السياسة التي لا يعرفون منها سوى القتل.
اسهم المالكي بالقضاء على الطائفية، وحال دون نشوب حرب اهلية، بحكمة ادارة فائقة، مستعينا بالرحمن والشيطان معا، في اداء سياسي مبرر، انتشل البلاد من نير الحرب التي انشبت اظفارها في ضلع العراق، تغذيها دول عدة في المحيط الاقليمي، تناغما مع اهواء المغفلين والموتورين والطامعين من الداخل.
ولبعض المتطرفين ورك كاد يفصم البلاد عن عقال المنطق، لولا حكمة رجال اهدوا خطوات الحكومة الى سواء السبيل، سائرين على الخط الفاصل بين المقامرة والمغامرة.. الصح والخطأ حتى حطت السفينة على ظهر الجودي، وفرجت الحكومة.. حينها الاحتقانات مهدئة الاطراف كافة؛ فانتظر الشعب الشروع بالخدمات المؤجلة.
الا انه.. رئيس الوزراء نوري المالكي تنكر للشعب واطلق يد رجاله، يندفعون في هبة عاصفة من الفساد الاداري والمالي بلا تردد او تأمل او غطاء؛ على اساس: “من امن العقاب ساء الادب”.
تنكر ايضا لمن وقفوا معه وساندوه في تحقيق تلك الانجازات التي سطرت باسمه على صفحة التاريخ، مجداً؛ مؤكدا.. من حيث لا يدري.. البديهة المعروفة، عن أكل الثورات لأبنائها.
تنكر لموفق الربيعي وطارق نجم وصادق الركابي ومنير حداد وآخرين.. ابعدهم، مستبدلا جلده بجوق من نهازي الفرص.. البراغماتيين الذين آثروا منفعتهم الشخصة على مصلحة العراق، يمررون اغراضهم باسم المالكي؛ ليبتزوا المال العام، والفضائح المكشوفة تترى، من دون حياء.
إن لم تستحِ فاصنع ما شئت!
وكان الاجدر به ان يفيد المرحلة الجديدة، بخبرة الطاقم الوطني النزيه، الذي راهن على الازمة، من دون التفكير بمغانم، فكان معه اوان الخسارة، وتبرأ منه عند الربح.
بعد ان رست السفينة عاد المالكي وكفأها في البحر من جديد؛ بتقريبه الانتهازيين الوصوليين البعثيين الفاشلين الطائفيين الذين استفزوا قوما كانوا سوالون الدولة، لو لم تنطلي بلون فئوي اقصاهم.
جوقة احاطت برئيس الوزراء، كالسوار حول المعصم، بعد ان ضمنوا هدوءاً نسبيا لحكم لم يكن مضمون الاستمرار قبل 2009، راحوا يدلسون الحقائق يوهمونه بغير الصواب، ينطقون بقول ويضمرون سواه، معلنين ما لا يسرون، لا يصدقون قول و يصيبون فعلا، يؤلبون الفئات الاخرى بالقسوة عليهم وسوء المعاملة والتهميش والتنكر لانتمائهم الوطني واحقيتهم بالشراكة… حتى ضاعت نشوة المتحقق وبات مع الهباء سواء.
تلاشت المنجزات في محرقة الطائفية والتقسيم واحتمال نشوب الحرب الاهلية الوشيكة، تأكيدا لمبدأ الوصول الى القمة صعب، لكن الحفاظ عليها اصعب.
لذا ما زال الحل بيد المالكي يبتدر الفرصة؛ لوأد الفتنة التي قدحت شرارتها على اعتاب طريق مسدود بلغه العراق الان.. دربونة ما تطلع.
والحل يتلخص باصطفاء النزيهين.. يقربهم منه؛ بغية المشورة في صنع القرار، كل باختصاصه، عملا بالحديث النبوي الشريف: استعينوا على كل مهنة بصالح اهلها.
واعتماد المرجعية الدينية من شيعة وسنة ومسيحيين وصابئة وايزيديين، مقوم هادٍ ينير الظلام ويطمئن القلق، وصولا الى اشراك الاطراف السياسية والادارية كافة في صنع القرار، سواء بالتزام آرائهم او الاكتفاء باستئناسها، كي لا تظل زاوية غفلا من الضوء، في تداخلات المسارب ونحن نحول استنهاض عنقاء العراق من حطام الحروب وشظايا الحصار وخراب التخبطات السالفة والراهنة.
فما خاب من استشار، اولا لان المشورة تخفف من احتمالات الزلل، وثانيا، توقر الناس وتشعرهم بانتامئهم لك، حتى لو اخطأت فهم معك في تحمل النتائج، بدل التفرد الذي يجعلهم من الشامتين.