ليس سارا حتى لأشد أعداء المالكي تلويح بعض الكرد بورقة الإنفصال لوقف التجديد له ، رغم تشارك الجميع في رفض الولاية الثالثة ، لكن عدم القبول بهذه المقاربة لايلغي تفهم خلفياتها التاريخية او دوافعها النفسية ، ولا توظيفاتها السياسية المحتملة ، ولايبرأ ساحة المالكي نفسه من تفكيك النسيج الوطني ليس مع كردستان العراق وإنماعلى امتداد مساحة التراب العراقي ايضا .
ماتعرض له الكرد ، وإن لم يكونوا استثناء عن باقي العراقيين ، من قتل وتهجير وابادات جماعية على يد انظمة سياسية عربية لايمكن اغفاله ، لذا فإن اختيارهم الطوعي للبقاء ضمن عراق ديمقراطي اتحادي لن يبدد ، خلال وقت قصير ، مخاوفهم من امكانية العودة الى تلك الحقب المظلمة بوجود نظام يجاهر بالمفاهيم الاستبدادية ويحث الخطى نحو دكتاتورية التمييز والتحريض والتهميش ، كما ان نجاح كردستان العراق في إعتماد نظامها الاداري المعاصر لم يترافق بنظام سياسي مماثل بتأثير تشوهات العملية السياسية الوطنية وتداعياتها الفاسدة . هذا الواقع يشكل حافزا اضافيا لقادة الكرد للنأي بتجربتهم السياسية الذاتية ويبرر لديهم رغبة استكمال الانزواء بعيدا عن المركز الغارق بالازمات .
خلال ثمان سنوات ، كان المالكي يذكي مخاوف الاكراد ، سواء في تبنيه لمنهج الصراع ، او سلوكه لطريق التفرد وإطباقه على السلطة ، او في استهدافه لخصومه السياسيين ، وهو مادفع الاقليم الى التنبيه والتأكيد على خصوصيته والى تراجع البعد الوطني في خطابه السياسي ، وقد جاء التزوير الفاضح والممنهج في الانتخابات الاخيرة بهدف الولاية الثالثة ليسقط ورقة التوت التي كان يتستر بها المالكي وليجعل مستقبل البلاد مرهونا بطبيعة النظام السياسي القادم ، وقد تحسس الكرد بهذا اكثر من غيرهم وكان سببا في تصاعد لهجتهم التحذيرية .
حتى الان ، يبدو المالكي مصمما على منهج ” انا او العراق ” يشجعه ضعف الكثير من خصومه وإنقسامهم وانعدام ثقتهم في العمل المشترك ، بل وسقوط بعضهم في فخ الفساد وبيع الذمم ، لذا جاء الموقف الكردي ليقرع مسامع الجميع ان الوطن ليس نشيدا يتغنى به او مارشا عسكريا يتحرك الناس على ايقاعه صوب الموت ، بل هو أمن وخبز ورخاء وحياة ، قاطعا الطريق على اية مساومة او تفاهمات تفضي الى اعادة انتاج المالكي ، فرئيس الحكومة ، وبفعل ثقافته المتعصبة وعقيدته المتصلبة ، لايؤمن بالتنازلات البناءة المتبادلة ، رغم استعداده لفعل أيما شيء يصب في خانة الاحتفاظ بالسلطة ، وهو مايجعل القوى الوطنية والشعبية ، ومنها القوى الكردية ، امام مسؤولية تاريخية لوقف عناد المالكي والذي ان لم يلجم فانه سينتقل بالبلد الى مرحلة تاريخية بائسة لايكون رابحا فيها حتى المالكي نفسه .