في سنة 1995 التقيت باحد الاصدقاء الاعزاء بعد فراق دام اكثر من عشر سنين ..وبعد السلام و السؤال عن احواله و احوال الأهل … اصطحبته للجلوس في احدى المقاهي في تلك العاصمة العربية الجميلة .. كان ذلك في احد ايام تشرين الباردة ، فتخذنا مجلسنا عند المدفئة العربية في وسط المقهى ، وبعد ان احتسينا الشاي العراقي ، تجاذبنا اطراف الحديث عن احوال العراق و الوطن العربي و العالم .
وعند سؤالي له عن سبب اختفائه و أنقطاعه كل هذه المدة الطويلة ، أجابني بأنه كان مسجونا في سوريا !! لقد تعجبت من ذلك !!، فسألته ألم تكن محسوبا عليهم؟ (( لقدكان محسوبا على ما يسمى بالبعث اليساري او ما يسمى بالمنشقين )) .
فأجابني إن ألأخوة في النظام السوري ليس لهم صاحب أو صديق و يظهر اننا كنا مخدوعين بهم فلقد إستخدموننا كورقة ضغط على رفاقنا في الجانب الآخر و لتحقيق مكاسب سياسية و امنية و إقتصادية و شرعية لنظامهم (( الشرعية القومية كما يسمونها )) .
و أضاف إن كل واحد من رفاقهم حين يعرفون انه بدء يعرف اللعبة يلقنوه درسا أما بتصفيته و هنالك طرق عديدة لذلك……….، أو بعمل فضيحة له او بطرده او بفصله او بسجنه في احد سجونهم الرهيبة ، يضيف لقد اعتقلوني لمدة سنتين في احد سجونهم الرهيبة و المسمات الفروع العسكرية ، و الفرع المخصص للعراقيين بشكل خاص هو (( فرع فلسطين السيء الصيت )) كذلك فيه الفلسطينيين و كل من يؤيد العراق و نظامه الوطني او لمجرد الشك به او لكونه من اهل السنة و أيضا يسجنون فيه السوريين المشكوك في ولائهم او لانهم من اهل السنة .
يقول لقد جرى استدعائي لفرع فلسطين علما إني احمل هوية لاجيء سياسي صادرة من وزارة داخليتهم و بموافقة الفرع السياسي الذي يعتبر أعلى سلطة امنية عندهم صادرة منذ السبعينات ، إضافة الى هوية القيادة القومية للحزب و هوية مكتب شؤون العراق التابع للقيادة القومية ، و يعني ذلك ان لدي حصانة، و قالوا نرجو الحضور للإستفسار خمس دقائق ، و الخمس دقائق اصبحت سنتان و بعدها اطلقوا سراحي و قالوا نعتذر منك كان هنالك خطأ !!! بعد اعتقال سنتين عجاف و مذلة و إحتقار و إرهاب و تعذيب اعتذروا منه و قالوا له كان هنالك خطأ بكل هذه البساطة فقد اعتذروا فقط منه !!!
يقول المهم في ألأمر إن خلال إعتقالي لمدة سنتين في فرع فلسطين مهجع رقم ((٦ )) و هو عبارة عن غرفة تحت ألأرض بثلاث طوابق بمساحة ٤في ٥ متر يعني مساحته عشرين مترا مربعا في داخله حمام صغير ، لا تدخل اليه الشمس ابدا ، يمكث في داخله اكثر من ثمانين معتقلا بحيث انك لا تستطيع الجلوس ، و النوم يكون علىشكل مجموعات بالتناوب ، و الغذاء رديء جدا ، و العلاج شبه معدوم الا من له امانات (( اي فلوس )) و هذه تصرف بمعرفتهم يعني مجرد ان تطلب حاجة بخمسين ليرة (( و يقصد هنا الدواء )) حتى ياخذ من اماناته خمسمائة ليرة او اكثر ، او من لديه واسطة كبيرة و تأتيه بعض الحاجات فهي تاخذ اغلبها و يعطوه تكرما و من غير كلام الشيء الزهيد (( يعني من يصله كروسين جكاير فهو يحصل منها على علبتين فقط و اكثر الاحيان يرجعوا السجانة عليه لاخذ علبة منه )) يقول كنا نتمنى الموت من المعاملة السيئة و طرق التحقيق الوحشية و الحرب النفسية و الاهانات في كل لحظة .. إضافة الى الامراض الجلدية التي تعرضنا لها بسبب العدد الكبيرمن السجناء في غرفة ضيقة و قلة النظافة و عدم التعرض للشمس و انعدام الرعاية الصحية ، و قد مات عدد كبير من السجناء بسبب هذه ألأوضاع السيئة وللحديث بقية إن كان في العمر بقية
نهاية الجزء الاول و يليه الجزء الثاني