منذ تسعينيات القرن الماضي، وبعد إجتياح الكويت الى يومنا هذا، ومشكلة الكهرباء والماء لم تجد حلاً حقيقياً، ولعل الحروب والفساد وسوء الإدارة والتخطيط، أنهكت البنى التحتية وشوهت العقلية الإدارية والمجتمعية عن كيفية الإستخدام الأمثل، لقطاع يتعلق بكل مفاصل الحياة، بما في ذلك علاج الأمراض والإنعكاسات النفسية والسياسية على المواطن، وحتى الطعام أحياناً لا يمكن إنتاجه دونهما، والمشكلة لا تكمن بالبنى التحتية او التراجع الإقتصادي والفساد؛ بقدر تعلقها بالإنتاج والتوزيع، والفساد المركب، ومَنْ يأخذ يسرف بالخدمات، بذريعة المجانية وخدمة الفقراء.
رغم أن الأزمة جماعية؛ إلا أن المواطن يسعى فردي لتوفير الطاقة لمنزله، ووصل المجتمع لقناعة جماعية على عدم وجود حلول آنية أو إستراتيجية.
أزداد الطلب على الكهرباء بعد عام 20033م، ودخل البلد مختلف الأجهزة الكهربائية لتحول معظم الأعمال لتعمل بالطاقة، وما عاد بيت عراقي إلا وفيه ما يزيد عن جهاز تلفاز وجهازي تبريد وتدفئة وثلاجة وعدة مصابيح إنارة عند متوسط متوسط العائلة العراقية، وربما يصل الاستخدام والأجهزة الى أكثر من ضعفي العدد والإستهلاك لما قبل 2003م، وبنفس وسائل الجباية أن لم تك معدومة ومتجاوزة وخارجة عن السياقات، ناهيك عن المؤسسات الحكومية ودور المسؤولين وكبار التجار والمعامل والأسواق التجارية.
شحة المياه هي الآخرى لا تختلف عن الكهرباء من حيث الإستخدام والتبذير، وأمانة بغداد تنتج يومياً 4 مليون متر مكعب، وبكلفة سنوية تصل الى 2500 مليون دولار سنوياً، لما يقارب 6 ملايين نسمة، ومعدل حاجة الفرد يومياً 200- 300 لتر، للشرب والاستحمام والتبريد وغسل الملابس، فيعني حاجة العاصمة الفعلية بأعلى مستوى تصل الى 1.8 مليون لتر مكعب، والمهدور أكثر من مليوني لتر مكعب يومياً، وفي ذات الوقت أطراف العاصمة كأطراف بقية مدن العراق، يشتري المواطن اللتر المكعب بخمسة آلاف دينار.
إن كمية الكهرباء والماء زادت أضعاف عن سابقاتها، إلا أن الأجور ما تزال لا تتنساب مع الخدمة، مع عدم وجود رادع للتجاوزات، والسكوت على إدعاءات سياسية غير مسؤولة بذريعة أن رفع الأجور سيؤثر على الفقراء، ولكن الواضح أن الفقير لا يملك أحياناً 10% من ممتلكات الأغنياء والساسة، ولو أن الأجور تم مضاعفتها كما مقترح في مجلس الوزراء بشكل فئات تتضاعف كلما زاد الصرفيات، لوجدنا إنعدام التبذير والإسراف الغير ضروري من الطبقات الميسورة، وعدالة في دفع الأجور والنتيجة توفير الماء والكهرباء.
يحتاج حل الأزمة لتظافر جهود جماعية، والخصخصة أحد الحلول في الوقت الراهن، لضمان توفير الماء والكهرباء وتجنب الهدر.
الأسعار المتدنية هي من تدفع للأسراف والتبذير، وأن كانت بعض الخدمات مدعومة للحاجة الفعلية، ولكنها تكون مقابل أجور في حال زيادتها عن الحد الطبيعي، وكل زيادة تعني يُسر او فائدة إستخدام وبالمقابل لابد من تسديد أجور، وأن كانت الدولة مسؤولة عن توفير الخدمات الأساسية بدعم، فأجور الخدمات الكمالية تتحملها الجهة المستفيدة، وكثير من الساسة والتجار هم الأكثر أسرافاً وتجاوزاً دون رادع، وجل هذه الخدمات كمالية لا حاجة فعلية، وتُأخذ من حصة الفقراء لحساب الأغنياء.