قبل كل شيئ لا يمكن التعويل على مايروح في الاعلام من اخبار مشوشة حول مستقبل الاتفاق .. وايضاً لا يمكن القياس على العواطف والتمني والتفائل او التشائم، وانما التقييم الموضوعي يحتاج الى تأني وفهم حقيقي للدراسات والتحليلات العلمية والفكرية وقراءة ما بين السطور لغرض استنباط مخرجات الاتفاق من خلال الغوص في البحث عن الخفايا والنوايا والدوافع والاسباب والمؤشرات التي ادت الى قبول الطرفين التوقيع على الاتفاق، لان العالم استقبل بشكل مفاجئ اعلان تسوية الخلافات بين السعودية وايران واعادة العلاقات الدبلوماسية بعد شهرين من تاريخ التوقيع برعاية الصين التي تسعى هي الاخرى الى التقارب مع الرياض كونها البوابة للتواجد في المنطقة من اجل منافسة الوجود الامريكي .. لهذا انتاب الشك لكثير من المحلليين السياسيين في استمرار نجاح هذا الاتفاق الذي اعتقد البعض انه قبول ايراني تكتيكي ومرحلي، وان الظروف الإقليمية والدولية هي التي دفعتها الى قبول الاتفاق أكثر من كونها رغبة حقيقية في إقامة علاقات طبيعية مع جيرانها في المنطقة، لان من سمات الاستراتيجة الثابته في السلوك الايراني التي تتسم بالمراوغة والخداع على مدى عقود ورغبتها في الهيمنة الإقليمية النابعة من الحلم المغروس في نفسية العنصر الفارسي ذو النزعة القومية الذي يرمي الى اعادة الامبراطورية الفارسية والتي يصعب التخلي عنه، واشار اصحاب هذا الرأي الى تصريح شمخاني الذي قال ( ان ايران تسعى الى اقامة علاقات ثنائية مع دول المنطقة ) وهذا موقف مماثل لما فعلته اسرائيل بانفرادها باغلب الدول العربية كل على حدة لاقامة اتفاقات سلام هزيلة ومتباينة من اجل تشتيت الاجماع العربي، وهذا التصريح جعل الكثير يعتقد بأن ايران تراوغ من اجل اقامة علاقات منفردة ومتباينة مع كل دولة على حدة وفق سلوكها المعروف بالخداع .. وايضا هناك مخاوف اخرى مشروعة تتعلق في عقيدة ولاية الفقية المثبته في الدستور الايراني لنشر التشيع في الدول الاسلامية وفق طموح ايران في تصدير الثورة من اجل قيادة العالم الاسلامي تحت مفهوم ولاية الفقية، وهذا يتعارض بكل تأكيد مع المصالح العربية والدولية بشكل عام ومع جوهر الاتفاق لاستحالة تغيير ايران عقيدتها الدينيه والقوميه، لهذا السبب يؤكد البعض ان موافقة النظام الايراني على الاتفاق مع السعودية موافقة تكتيكية لما للرياض من ثقل سياسي واقتصادي وديني في المنطقة قد يساعدها على تسويف الضغوط عليها والخروج من العزلة الدولية ومن ثم العودة الى نقطة الصفر .. ولكن هناك اراء اخرى تقول ايران دخلت بنوايا صادقة نتيجة غضبها من السياسة المخادعة لامريكا والغرب واستغلالهم الدول والشعوب لخدمة مصالحهم دون الاكتراث بمصالح الاخرين، واولها ايران التي خدمت الغرب في كثير من المواقف الاستراتيجة وتم استخدمها على مدى عقود معول هدم لصالح اجنداتهم في المنطقة، ومن ثم خرجت بخفي حنين دون ان تحصل على المكافئة الموعودة غير العزلة الدولية والعقوبات الاقتصادية وهشاشة الوضع الداخلي وافتعال الازمات التي باتت تهدد النظام فضلا عن التواجد العسكري والقواعد المنتشرة في محيطها الاقليمي .. لهذا السبب كان قبولها للاتفاق ناتج عن موقف مبدئي كما يعتقد اصحاب هذا الرأي نتيجة تيقنها من خداع الغرب واستحالة تحقيق حلم اعادة امجاد إمبراطوريتها المنقرضة ولابد من التفكير بمنطق الدولة بدلاً من منطق تصدير الثورة الذي ادى الى نتائج كارثية على دول النطقة، وهذا ما يتحتم عليها الاستمرار بصدق في التصالح مع العرب وتضع احلامها واتفاقاتها المشبوهة مع الغرب في سلة المهملات من اجل المساهمة في تشكيل عصر شرق اوسط جديد ينهي كل الخلافات ويفشل كل المخططات الاجنبية .. بمعنى لو صحت هذة الاراء فأن الاتفاق يعد فعلاً ضربة قاسمة للغرب الاستعماري وعلى رأسهم امريكا .. لذلك يفترض بايران إثبات مصداقيتها وابداء حسن النوايا بالافعال لا بالاقوال من خلال خطوات عملية يظهر من خلالها تغيير واضح في السلوك الايراني لازالة شكوك اربعين عاماً من العبث في المنطقة واولها موضوع الميليشيات ومشكلة اليمن التي سنتحدث عنها بشكل تفصيلي في مقال لاحق باعتبارهما مفتاح اثبات حسن النوايا ..