ابحثوا وفتشوا ونقِّبوا في كل الأنظمة والقوانين والدساتير السماوية والوضعية، الدينية والمُلحِدة، وغيرها، بل حتى في قانون الغاب، فإنكم لم ولن تجدوا قانون ينصُّ على اعتقال الصور، لكن في مَسَلَّة المؤسسة الدينية القمعية المستبدة، وقضائها العاهر، وميليشياتها النتنة، وعساكرها المرتزقة، تجد قوانين وأحكام صاغتها من نزغ الشيطان الذي تلبس بها، وكتبتها بحبر لعابها الذي يقطر سموما صفراء، وبأقلامها التي انكسرت أمام الحق والحقيقة، قوانين وأحكام شُرِّعت في محكمة “القضاء” على كل صوت وطني يرفض الطائفية والقتل والتهجير والفساد، وكل مَن لا ينحني لمشاريعها وأجنداتها التي دمرت العراق وشعبه، فراحت تزجُّ عشرات الآلاف من العراقيين الأبرياء في السجون المظلمة، والتعذيب الجسدي والنفسي الذي لم يخطر على قلب من سبقها من الطواغيت والفراعنة والسجّانين.
بعد الجريمة النكراء في كربلاء بحق المرجع الصرخي ومقلديه، والتي خططت لها تلك المؤسسة وإيران وتوابعها من ساسة العهر والرذيلة على أيدي المخلوقات الممسوخة من الميليشيات والحشد الشعبي، وبعد الأحكام الجائرة التي أصدرها القضاء المُسيَّس الخاضع لها، والحكم على “41” من مقلدي المرجع الصرخي بالسجن المؤبد بجريمة تقليد الصرخي، ورفض الطائفية، والتمسك بالهوية الوطنية، أصدرت تلك المؤسسة الأوامر إلى زبانيتها ومرتزقتها، باعتقال الصور التي تكشف حقيقة ما جرى في جريمة كربلاء، من تمثيل، وحرق للجثث، وسحلها بالشوراع، وما تبعها من تعذيب وحشي للمعتقلين، لأنها شعرت أن تلك الصور ستكشف عن زيف ادعاءاتها وإعلامها المُضلل، وتفضح إجرامها وانسلاخها عن الإنسانية، خصوصا وان الزوار تفاعلت مع تلك الصور التي عرضتها مواكب خدمة زوار الحسين “عليهم السلام” رائد ثورة المظلومين والمستضعفين على الظالمين والمستكبرين، تلك الصور تعبر عن احد مصاديق المظلومية التي عاشها الحسين “عليه السلام” والتي جعل منها نقطة الانطلاق نحو الخلود في ضمائر الأحرار والشرفاء، نقطة الانطلاق نحو انتصار الدم على السيف، المظلومية التي صيَّرها سيد الشهداء سلاحا فتاكا يطيح بعروش الظالمين في كل زمان ومكان، نعم من هنا انطلق مقلدو المرجع الصرخي ورفعوا صور الجريمة التي ارتكبت، رفعوها في مواكب خدمة الزائرين في الناصرية والسماوة والديوانية، فأحدثت زلزالا تحت عرش المؤسسة الدينية وتوابعها، فارتعدت فرائصها، وما كان أمامها إلا أن تأمر باعتقال الصور و منع تلك المواكب والإعتداء عليها.
التاريخ يعيد نفسه والأدوار تتكرر، ولكن الممثلين يختلفون، فبالأمس لم يكتفوا بقتل الحسين، بل هدَّموا قبره، وأخفوه، ووضعوا حوله جلاوزة يمنعون الناس من زيارته، ومنعوا إحياء شعائره، وحتى حمل صورته، واليوم تتكرر الجريمة والحرب على مَن يمثل خط الحسين، وسار ويسير على نهج الحسين (بالقول والفعل) في رفض الظلم والفساد والطائفية والقمع والتمييز، لكن اليوم مَن ينفد الجريمة ليس عمر بن سعد أو الشمر!!! ، الجريمة اليوم ينفذها من يحكي باسم الحسين ويتاجر باسم الحسين، وما أشبه قرار “اعتقال الصور” بقرار عمر بن سعد حينما أمر بقتل الإمام زين العابدين “عليه السلام”، وقال لا تبقوا لأهل هذا البيت من باقية، فهم يريدون طمس الحقيقة، وكل ما يرتبط بها، أو يكشف عنها….
إن قرار اعتقال الصور وما سبقها من أحكام جائرة يكشف عن تخبط تلك المؤسسة وتوابعها، وهزيمتها وفضيحتها، وانكشاف أمرها، فلو كان ما قامت به من جريمة في كربلاء وما تبعتها من جرائم، لو كان تصرفا شرعيا قانونيا إنسانيا، ولو كان ما روجته من دعايات وأكاذيب وشائعات حقيقة وواقعا، لما ارتعدت وتزلزلت من عرض الصور وأصدرت أوامرها باعتقالها، لكن هذا هو حال من تجبر وطغى، واستكبر وعلا، وظلم و وضلل وأغوى ، فكما أن السابقين يخشون من اسم الحسين، فهؤلاء يخشون من صور المظلومين الأبرياء.
إن الحديث عن مجزرة كربلاء التي ارتكبت بحق المرجع الصرخي الحسني ومقلديه، وما تبعها من جرائم، وتسييس وهيمنة على القضاء، لهو كاشف عن كل الجرائم التي مورست بحق العراقيين.