18 ديسمبر، 2024 7:09 م

المؤسسة التعليمية الفاشلة

المؤسسة التعليمية الفاشلة

التعلم الرديء اسوأ من الامية ، فهذا يوهم الفرد و من ثم المجتمع انه متعلم بينما هو جاهل مغلف بعلم مشوه . و التعلم الرديء يأتي من المؤسسات الفاشلة ، و تفشل المؤسسة التربوية و التعليمية لاسباب مجتمعة اهمها :
-هدف التاسيس
أساسها الانشاء الخاطيء او الغرض المبيت : كأن يكون مؤدلجا لصالح جهة او فئة او جماعة ، بمعنى ان الغرض منه ترويج افكار تهم ايديولوجية معينة فردية او حزبية او فئوية او عرقية او عنصرية او طائفية او دينية او حتى اقتصادية انتفاعية ، او تبني ثقافات اجتماعية معينة ، دون غيرها مما يحيط بالمتعلم ، و الذي سيجهل الشمولية وستخفى عنه الانفتاحية ثم يخسر مع النمو العلمي و التربوي القدرة النقدية المتأتية من مقارنة الثقافات المحيطة به و تحليلها .
فتهمل تلك المؤسسات التساوي الفكري الاجتماعي الضروري لخلق فرد يحيط عموميا بكل ماحوله من افكار و اتجاهات ، حيث لا ضير بعد ذلك من اختياره هو او توجهه سواء كان لموروثه و ثوابت مجتمعه الاخلاقية وعائلته او للتعديل على ذلك او تطويره بالتلاقح دون الانسلاخ ، وكذا فالانشاء الموجه الغرض يغمط او يقصر في عرض النظريات الفلسفية و الاجتماعية في اطارها العلمي التربوي البحت ، ويحرف المؤسسة التعليمية ولائها الاصلي المفترض الذي يجب ان يكون للعلم وحده.
-نمط التعليم
و مما يفشل المؤسسة التعليمية و ان أُنشأت علميا انها لاتبرع تعليميا ، والعلم يختلف عن التعليم ، فليس كل علم صحيح يجر تعليما ناجحا بالضرورة و لكن كل تعليم ناجح يجر علما صحيحا بالتاكيد . والتعليم الفاشل ينتج عن اسباب اخرى تكبو فيها المؤسسة التعليمية ، مثل اختيار المعلم الفاشل (راجع ج1 من نفس السلسلة–المدرس الفاشل) ، وهذا عماد افشال المؤسسة التعليمية حيث تختار المؤسسات التعليمية الفاسدة او المؤدلجة او المرتبكة غير الرصينة مدرسين تراعي فيهم الطاعة الادارية للسير على نهجها و تنفيذ غاياتها الضيقة من نشر ايديولوجية معينة او غض النظر عن المخالفات العلمية والتعليمية و الاجتماعية وما الى ذلك ، او تسهيلهم لامر الفساد المالي و الوظيفي لادارة المؤسسة ان كانت رسمية ، او تعاونهم في سياسة المؤسسة النفعية البحتة ان كانت اهلية او خاصة .
هنا يكون المدرس الكفوء “علميا” او “تعليميا” مستبعدا اذا تضاربت ميوله و مبادئه مع مباديء القائمين على المؤسسة و اغراضهم ، و يؤتى بمن اقل منه كفاءة او ربما المدرس الفاشل تماما لتحقيق غرض الانسيابية و الاستمرارية للمؤسسة ، وهذا قد لاينتبه اليه اولياء الامور المعنيون بسلامة و رصانة تعلم ابنائهم ، و كذا لايصل الى المشرفين و المراقبين للعملية التعليمية –ان افترضنا فيهم النزاهة- لانهم يرون العميلة التعليمية قائمة ومنسابة و لكنها في الحقيقة مغطاة و ملغومة . انظر ج3 –الاداري التربوي الفاشل-)
-صلاحية المنهج
و يُفشل المؤسسةَ التعليمية المنهجُ المرتبك ، و المقصود هنا الكتاب المدرسي والجامعي المقرر و ليس السياسة المقررة ، و المنهج هو المحور الذي يتشاركه المعلم و المتعلم و الادارة و المراقبون و المختصون والعائلة و من ثم المجتمع ، و لذا فخطورته بالغة ان لم يراع فيه اولا ، المحتوى و دقته و مناسبته للبيئة المحيطة و توافقه مع المستوى التعليمي و الفئة العمرية و الترابط مع ماقبله و بعده ، و خضوعه لدوريات التقييم و التقويم و مقارنته مع مناهج مناظرة في مؤسسات رصينة اخرى تخضع لمتطلبات و معايير الجودة في بلدان اثبتت نجاحها علميا و تعليميا ، ثم تطبيقه التجريبي ، و ماالى ذلك من متطلبات المناهج الناجحة المتعارف عليها و المثبتة عند كل جهة مختصة بتاليفها و تطويرها (راجع ج 4 من نفس السلسلة- المنهج الفاشل )
و لكن مايهمنا هنا بعد ان استوفيت الشروط السابقة هو سلوكية المنهج و توجهه الايديولوجي و التناسقي و التفاعلي و انشطته النافعة ثم توجهه العلمي ، كل ذلك ان فشل فشلت المؤسسة وان فقد احد محاوره فقدت المؤسسة احدى ركائزها و انحنت و مالت باتجاه انتظار السقوط و الفشل .
– المدير المرتبك
و هذا ركن مكمل لنجاح المؤسسة التعليمية او مؤطر لفشلها ، فالاداري الناجح ليس هو من ينشيء المؤسسة الناجحة قطعا و لاهو مركز نجاحها مقارنة بالمنهج او التعليم او غرض التاسيس و لكن هذا الرجل قطعا هو من : اما يفشل المؤسسة التعليمية الناجحة او يديم نجاحها بحسن قيادته و براعة تحكمه ، و لا اعتبار كبير لفقهه الادراي قدر اعتبار موهبته القيادية ، فان اجتمعا كان مثالا يحتذى ، فالقيادة هي المطلوبة و ليس الادارة البحتة ، لان المؤسسة التعليمية ليست كبقية مؤسسات المجتمع و الدولة ، فهي تتعامل مع فئات متعددة و مترابطة بشكل خطر و معقد ،، من المتعلم (طفلا ، يافعا ، شابا ، راشدا) الى المعلم (من كل صنف و لون و اختصاص و مشرب و مذهب) الى مفردات المنهج و متطلباته الى عائلة المتعلم (من كل مستوى معاشي و ثقافي و ذوقي و حضاري ) الى الاداريين (من كل خبرة او موهبة او عكسها) الى (مراقبين و مشرفين و موجهين اعلى رتبة ادارية ) الى (اختصاصيين من كل ميدان) الى مؤسسات الامداد اللوجستي الى ماغير ذلك . و هي التي ترفد كل مؤسسات الدولة الاخرى بحاجاتهم من الموارد البشرية .
كل هذا على الراس الاداري لتلك المؤسسة ان يتعامل معه و يوجهه الى مصلحة جودة مؤسسته و نجاحها و استقطاب المتعلمين الجادين و أسرهم ، او طردهم و جعلهم ينفرون . من تجاربي تعاملتُ مدرسا ثانويا مع مديرين لمؤسستين مدرسيتين عراقيتين و محاضرا جامعيا مع عميدين لمؤسستين جامعيتين واحدة عراقية والاخرى اوربية ، في الجانب المدرسي كان لدينا مدير ناجح (ي.ح) اقام الثانوية التي نحن فيها و عزز مكانتها فاصبحت في عهده من الاوائل على مستوى الدولة و لم يُغضب احدا منا طوال سنين رغم صرامته و المنغصات اليومية التي ترافق سير العملية التعليمية في مؤسسة كبيرة كتلك .
و ترك منصبه و رُزقنا بمن يكافئه في جوانب عديدة فاستمر النجاح و الاستقطاب التعليمي . وصار لدينا مدير في حقبة اخرى (د.ن) استلم مؤسسة هي الاولى ، بنَت كوادرُها مجدها و نجاحها في نصف قرن فانحدر بها الى الحضيض في غضون عام واحد ، رغم وجود نفس المدرسين و المنهج و كل اركانها الاخرى ، و لكن كل ذلك لم يحُل دون التداعي المتسارع الذي حطم المؤسسة و ادى الى فشلها في النتيجة ، و استشراء المحسوبية و تذمر المدرسين و اولياء الامور و الطلبة و الادرارات الاعلى و المشرفين ، و اساء حتى الى المستوى العلمي و الاجتماعي للمدينة و لا زال مديرا حيا يرزق ، و يدير المؤسسة و يهندس خرابها بكل اريحية. رغم ان الناجح كان في الاصل ضابطا عسكريا و الفاشل هذا كان معاونا اداريا لمؤسسة تربوية لسنوات ، و السبب في ظهور امثال هذا و اختفاء امثال ذاك هو الفساد الادراي (للدولة القلقة) التي ستكون محور القسم الثاني .
يتبع