رغم الانتصارات العسكرية التي تحققها القوات المسلحة العراقية في شمال البلاد و استعادة الحي تلو الأخر من سيطرة الجماعة الإرهابية ، إلا أن حالة من خيبة الأمل كانت و لا زالت تسيطر على شريحة كبيرة من الشعب العراقي ، تظهر بمجرد حدوث أي حادث مهما صغر شأنه و حجمه ، حتما أن الموضوع هذا يكتنف أبعاد غير موضوعية صنعتها الكثير من المؤسسات الإعلامية المغرضة ، التي ما انفكت تشيع الإحباط و السوداوية ، لكن هذا الأعلام الأصفر لا يتحمل المسئولية الكاملة عن حالة الغضب و الإحباط هذه ، ففي الواقع العراقي ما يدعوا إلى ذلك ، فبمجرد فتح ملف حقوق المواطن لدى الدولة سينكشف تفسير هذه الحالات النفسية
أبرز ما يعانيه الناس هو عدم شعورهم بالعدالة ، و هذا العنوان يرتفع و ينخفض في مرافق حياتهم المختلفة ، الموضوع أبعد من الأمثلة المباشرة بل ما يدخل في تمثلات المحاصصة الحياتية ، فهذه الأخيرة ( أي المحاصصة ) لم تبقى في المنطقة العليا للدولة ، بمعنى أنها الألية التي توزع بموجبها المناصب المتقدمة ، بل نزلت إلى الحياة العامة للناس لتتمثل في المؤسسات التعليمية و الخدمية و الأمنية و غير ذلك .
ليس الأمر مجرد ظاهرة ترى نهاياتها فينتظر الخلاص منها ، بل هي حالة في كل يوم تتعزز ؛ و لذلك خلقت شعور أن من لا ينتمي إلى منطقها لن يستطيع الحياة في هذا البلد ، و لذا لن نجد غرابة عندما يقال لم يعد هنالك مستقل عندما يقترح حل الموضوع بتقديم مستقلين
حتما أن طبقة من المسئولين هم من يتحملوا هذه المشكلة البنيوية ، إلا أن ما هو أهم هو أن هؤلاء المسئولين لم يجدوا مؤسسات قائمة على أساس مبدأ العدالة ، بل ما هو أخطر من ذلك أن الكثير من المؤسسات يعاد إنشاؤها عن طريق تشريع قوانينها أو تعديلها بما يتناسب و منهج المحاصصة الذي تحدثنا عنه ، فالجماعات التي تشكل مؤسسة التشريع على الأغلب لا تعمل بطريقة تنتمي للمنهج المهني العادل في إنشاء المؤسسات ، و قد لا تعني هذا بطريقة مباشرة إلا أنها و تحت ذريعة المصالح الفئوية للاثنيات و الاديان و المذاهب و الأحزاب توقع بعدالة المؤسسات و بعدالة العمل ، و لعل عنوان ( التوازن ) هو أبرز مصاديق هذه المعادلة .
راجعوا التعديلات و الإضافات التي تعرضت لها مشاريع القوانين من قبل الجهات السياسية سواء في الحكومة او في مجلس النواب ، بل لو حللنا كل هذه المشاريع للبحث عن ما يتضمن المصالح الفئوية كم سنجد أن الدولة العراقية أثقلت بأحمال هذه الهويات على حساب الهوية الوطنية ، و لذا سيكتشف الباحث في النظام و العمل العراقي أن ثمة مواجهة كبيرة بين العدالة الوطنية و ما يعتبر عدالة اثنية او طائفية