23 ديسمبر، 2024 2:47 م

المؤامرة التي لم يجرؤ المالكي على كشفها

المؤامرة التي لم يجرؤ المالكي على كشفها

يبدو أن الأجراس السود لبدء عملية تقسيم العراق قد دقت حين شرعت المجاميع المسلحة (داعش والمتحالفين معها) هجومها على مدينة الموصل وانسحاب قوات الجيش منها في ظل اغرب انهيار شهده تاريخ الجيوش في العالم، ولعل ما يزيد في الاستغراب لجوء القيادات العسكرية للقوات المتداعية الى مدينة اربيل خلافا لأي منطق عسكري أو أخلاقي الأمر الذي يثير الشك والريبة عن ما خفي من أسرار واتفاقات وراء ما جرى، والتي تلقي ضوء كاشفا عما يدور ويخطط له ويتم تنفيذه من قبل دوائر صنع القرار إقليميا ودوليا.

ولكي تتضح أبعاد المشهد نضيف التطورات الأخيرة الى ما سبق أن قاله رئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني قبل مدة وجيزة وتحديدا يوم 12 نيسان 2014 إذ ذكر بالحرف: أن وحدة العراق أضحت أمرا افتراضيا، فالدولة فقدت السيطرة على مختلف المحافظات، والحكومة المركزية ليس لها سلطة على اغلب مناطق العراق. وبذلك فان الدولة الكردية المستقلة قادمة لا محالة، كما أكد في حديثه. أما عن الأسباب التي أفضت الى اتخاذ قرار الانفصال فيعزوها الى الظروف والتطورات التي تستلزم إعادة النظر بالاتفاقات الدولية السابقة لأنها بنيت على أخطاء جسيمة ولابد من تصحيحها، أي أن المنطقة بحاجة لـ “معاهدة سايكس بيكو” جديدة.

إذن لم يبقى سوى المبرر الذي يكون القشة التي ستقصم ظهر البعير، أي لابد من التدبير وخلق أزمة كبيرة تجعل من القيادات الكردية تبدو كالمضطر الذي يركب الصعب مكرها، وليس أفضل بالطبع من قيام داعش باحتلال مدينة الموصل المحاذية لإقليم كردستان العراق، وكي يتم الأمر على أفضل وجه لابد من ضمان تعاون قادة القوات والفرق العسكرية في المنطقة وتوفير الملاذ الآمن لهم بعد تنفيذ الاتفاق وانسحابهم، وهنا تتقدم قوات البيشمركه لتكون المنقذ والحامي للمناطق المتنازع عليها في كامل كركوك وبعض مناطق محافظات نينوى وصلاح الدين وديالى. وهذه الخطة لابد لها من ضمان موافقة أمريكية ووضع ترتيبات على الأرض، والأمريكان أول المبادرين في وضع خطط تقسيم العراق منذ عقود من الزمن وآخرها خطة بايدن نائب الرئيس الأمريكي انسجاما مع رغبة إسرائيل الدائمة بتفتيت المنطقة العربية. وان ما يؤكد ذلك تأكيد الرئيس اوباما أن الولايات المتحدة لن تتدخل عسكريا في العراق، على الرغم من أن القنوات الفضائية الغربية تظهر شعارات ومقاتلي داعش فقط من دون تسليط الضوء على بقية التنظيمات المسلحة التي شاركت في الهجوم على الموصل أو تكريت. لذلك لا تمانع الإدارة الأمريكية في وصول داعش وبقية المجاميع المسلحة المؤتلفة معها حتى حدود العاصمة بغداد مع حرصها على عدم دخولهم إليها، ولكي يكون التقسيم ضرورة تنشدها جميع الأطراف (أي آخر الدواء

الكي كما يقال) لابد أن يتقاتل الجميع وتسيل الدماء من جميع العراقيين بغزارة غير مسبوقة تصبح مبررا للجلوس الى طاولة المفاوضات لإعداد نعش العراق ونعي دولته.

لقد ساهمت حكومة المالكي بغباء ورعونة في توفير المناخ الملائم لاستكمال ترتيبات انجاز الخطة وانطلاق مشروع التقسيم وفق ما يتمنى الأكراد والأمريكان وحلفاؤهم، لاسيما بعد عملياتها الثأرية في محافظة الأنبار (أحفاد الحسين يقاتلون أحفاد يزيد) حسب تعبير المالكي أو ما اسماه (تصفية الحساب) وهي تعبيرات معيبة لا تصدر عن مسؤول يفقه ابسط أصول الخطاب والحنكة أو الفهم والنضج الفكري والسياسي.

ويبدو أن بعض العقلاء قد أوضح للمالكي الجزء الخاص بالمؤامرة الذي يتعلق بأهداف الأكراد ومشاركتهم الفعلية في انهيار القوات العسكرية وخسارة الموصل وبقية المناطق، ولكنه مازال أسير أوهامه وعقده فيما يتعلق بالخطة الكاملة لتقسيم ارض الرافدين، وها هو يمضي في تنفيذ الخطة معصوب العينين صوب النهاية المرسومة لها والتي ستفضي بالتأكيد لدمار العباد وخراب البلاد.