18 ديسمبر، 2024 5:52 م

المأثور المقدس ومساحات التكتم

المأثور المقدس ومساحات التكتم

الناظر الى حياض النص القراني يجد انه نص متجدد غض لا يبلى على مر العصور والازمنة , ولكن يبدو ان المساحة القابلة للتجدد اخذت بالانحسار تحت علة البعد عن زمن النزول والوحي وهذا الانحسار اخذ اشكالا عديدة منها : اولا , زيادة مساحة الاحاديث الموضوعة والتي ترتبط ارتباطا كبيرا بالنص القراني ما جعل هوية التأويل والفهم لذلك النص القراني قابلة للتعدد والتشظي ما يجعل الصراع الفتوائي يحتدم حتى يصل الى درجة التنافر والتناقض , ثانيا , التركيز على نصوص قرانية معينة كتلك التي تحث على الجهاد يجد فيها الحاكم ضالته عندما يرى ان ملكه في خطر فيعمل على تطويق ملكه بقداسة وهالة يستوحيها من بعض النصوص القرانية او الحديثية والتي يمكن من خلالها النفاذ والتاثير على بعض العقول المسيرة وياتي ذلك بالطبع من خلال التعاون مع فقهاء المنفعة (الفقهاء البراغماتيون) الذين يكمن دورهم في اضفاء الشرعية على حكم الخليفة او الحاكم او السلطان او الملك , لذا نجد وعبر صفحات الزمن الكثير من الوقفات عند بعض النصوص فعلت وفهمت بطريقة تتلائم مع ما يريده التحالف الثنائي (الحاكم المستبد والفقيه البراغماتي) وخاصة تلك النصوص الخاصة بالجهاد والقتال والارهاب , حيث تم التعاطي معها فتوائيا وفقا لهوى الاسلام الامبراطوري , وهذا يؤدي الى الحقيقة المتقابلة التالية : التكتم على نصوص تقود الى الاسلام الذي يبني الحياة قبالة تفعيل وتمديد مساحة النصوص المرتبطة تاويلا بالحفاظ على ايديولوجيات الاسلام الامبراطوري المرتبط بالسلطان والحاكم وهذا التقابل له توابع منها , مناهضة الاخر وغلق كافة منافذ التعاطي معه وابقاء فقط نافذة القتل والعنف والابادة , وايضا التكتم على مساحات شاسعة من النصوص المقدسة تتناغم مع بناء الانسان وفكره وشخصه عبر بوابات التسامح والعفو والرافة وحب لاخيك ما تحب لنفسك والعدل والرحمة , حتى بات هذا الصنف من النصوص لا يتم الاهتمام به بل يهمل ويتم التركيز على نصوص القتال والجهاد والارهاب المؤولة على غير مقاصدها , وهذا يفسر تعملق وانتشار مصطلح (الاسلام فوبيا) وفهمه على هذا النحو من ان الاسلام دين العنف والقتل والابادة , وهذا طبعا وفقا لتصورات الجماعات الاصولية المتطرفة التي اختزلت الاسلام بهذا المعنى وعبر بوابات تشريعية هم فتحوها وفهموها وفقا لمقاصدهم قبالة التكتم على الجانب الاخر من النصوص التي يزخر بها الماثور المقدس بشقيه (القران والسنة) والذي يدعو الى احترام كينونة الانسان بما هو انسان بغض النظر عن لونه وعرقه ولغته ودينه والنص القراني التالي من اوضح المصاديق (لا اكراه في الدين) , طبعا والمصاديق كثيرة وكثيرة .