لعلّ النقطة التي نحن بصددها لا تتطلّب التعرّض لها .! , فقد تابعَوا المتابعون وشاهدوا المشاهدون بأنَّ لا رصاصاً حيّاً جرى إطلاقه على المتظاهرين اللبنانيين , فالجيش وقوى الأمن اللبناني لا تقتل مواطنيهم اصلاً , ولا نكررّ الحديث عن الشهداء – القتلى من المتظاهرين العراقيين ومعهم آلاف من الجرحى .! , ولا نشيرُ ابداً الى المعتقلين ولا الى اعدادهم ولا حتى الى طريقة واساليب معاملتهم , فلا شأنَ لنا في ذلك .!
لوحظَ أنَّ المتظاهرين في بيروت وسواها من المدن هم الذين يغلقون الشوارع والطرق على القوات الأمنية وبكلِّ حرية , بينما القوات العراقية تضع الكتل الأسمنتية وتغلق شوارعاً وتقطعُ جسورا .. كما لوحظ بهذا الصدد أنّ السلطات اللبنانية لم تحجب شبكة الأنترنيت عن الشعب اللبناني ولم تحجب وسائل التواصل الأجتماعي ايضاً , والتي هي محجوبة لغاية الآن في العراق والى أجلٍ مجهول .! ولعلّه يرتبط بأفرازات التظاهرات القادمة والمفترضة في يوم 25 \ 10 ..
لمْ تقم القوات الأمنيّة في لبنان بملاحقة ومطاردة المنسحبين من التظاهرات بعد انتهائها وعادوا الى بيوتاتهم بكلّ أمان , على العكس مما حصل في العراق حيث جرت مطاردة وملاحقة الجيش حتى الى الفارّين من المتظاهرين وفي مناطقٍ بعيدةٍ نسبياً عن امكنة التجمّع والتظاهر , وقد شاهدت الجماهير ذلك عن كثب .! .. الى ذلك كان هنالك دور فاعل ومتميز للصليب الأحمر اللبناني في معالجة وانقاذ المتضررين من الغاز المسيل للدموع او من ضغط الأزدحامات , وكانت سيارات الأسعاف تتحرّك بمرونة في نقل المصابين , أمّا التطرّق للهلال الأحمر العراقي في مثل هذه الحالات , فهو اقرب الى ضربٍ من ضروب الوهم , مع الأشارة أنّ الصليب الأحمر اللبناني هو منظمة مستقلة لا تتبع الحكومة هناك , بجانب ذلك لاحظنا من خلال عدة قنواتٍ فضائية ومن مصادرٍ اخرى المهارة والحرفية للحرس الجمهوري اللبناني في إبعاد المتظاهرين عند اقترابهم جداً من المنطقة الرئاسية ودونما لجوءٍ للعنف , وقد خرج الرئيس ميشيل عون وتحدّث مع المتظاهرين اثناء تظاهرهم .!
في بغداد العاصمة وبقية المحافظات الجنوبية , وعلى عكس التظاهرات السابقة فلم يُلاحظ حضورٌ بارز للفتيات والنساء ” إلاّ في حالاتٍ نادرة ” حيث كان العنف هو سيّد الموقف , بينما إمتلأت ساحات التظاهر في المدن اللبنانية بالفتيات ومن كافة الفئات العمريّة , وكانت مشاركةً جماهيريةً فعّالة .
لم تجرِ ايّ اعتداءاتٍ مسلّحة وعمليات تخريب على مكاتب القنوات الفضائية في بيروت ومن اي’ جهةٍ كانت .! وهذا موضع تقديرٍ وتحضّر , بل هنالك انتشارٌ واسع لمرسلي الفضائيات ووسائل الإعلام من داخل صفوف الجماهيير المحتشدة , ويبثّون تقاريرهم الأعلامية بالبثّ المباشر حسبما نلحظ ونشاهد .
وطالما تطرّقنا هنا الى الإعلام , فينبغي الإشارة الى المراسلة التلفزيونية لقناة العربية الحدث في لندن الآنسة ” ريما مكتبي ” والموفدة الى بيروت لتغطية التظاهرات , فهي الأبرز والأكثر حضوراً وإمكانيةً في التغطية ومتطلباتها , وما برحت تؤدي واجبها بكفاءةٍ مشهودة ولساعاتٍ طوال في اليوم الواحد , بينما مراسل العربية الحدث في باريس السيد ” حسين قنيبر ” الموفد الى لبنان , فقد كان حضوره بعيداً عن مركز بيروت واقرب الى مدينة جونية , وتقتصر لقاءاته مع المتظاهريب وبشكلٍ تقليدي , بينما كان حضوره الإعلامي في فرنسا اكثر اهميةً وموضوعية .. ومن خلال الرصد وهذه المتابعة المتعددة الأوجه , لاحظنا أنّ قناة الجزيرة هي
الأقل اهتماماً واقرب الى التجاهل النسبي في تغطية التظاهرات على الساحة اللبنانية , إلاّ بما لا يناسب التوجهات الوطنية في لبنان , ولم يكن ذلك مستغرباً من ” الجزيرة ”
واصحابها وساستها , وكان تركيزها على التظاهرات المندلعة في اقليم كاتالونيا ف اسبانيا وفي الحركة الأحتجاجية في الجزائر .
أحد القواسم المشتركة في التظاهرات العراقية واللبنانية هو قيام متظاهرين في جنوب العراق وجنوب لبنان بحرق مكاتب او مقرات لمسؤولي احزابٍ دينيةٍ متطرفة او من احزاب الأسلام السياسي , وهذه الحالة ملفتة للنظر في تزامنها وتناغمها .!
حضور وظهور اعداد كبيرة من الدراجات البخارية التي استخدموها متظاهرون كثيرون في لبنان كان موقفاً ذكيّاً بغية سهولة الحركة والتنقّل وعدم الحصر في موقعٍ مكتظ بالمحتجين , ولربما للهروب الأفتراضي , بينما يصعب التصوّر بالسماح بأستخدام الدراجات في العراق اثناء التظاهر , واحياناً قبل حدوثه في ظروفٍ أمنيّةٍ محددة .
الحركة الأحتجاجية الواسعة والقائمة الآن في مختلف المدن اللبنانية سببها الأوّل هو الجانب الأقتصادي الضاغط والغلاء الفاحش وتردّي العملة وما تبعها من ضرائب اثقلت كاهل المواطنين , والأساس في كلّ ذلك هو طبيعة النظام السياسي القائم وما يتبعه من فسادٍ مالي وسياسي واداري , ونفوذ بعض الأحزاب على حساب الدولة اللبنانية والمصلحة الوطنية والجماهيرية , بينما في العراق فالأسباب والمسببات التي تدعو وتجرّ للتظاهرات فهي اكبر واخطر مما يجري في لبنان بكثيرٍ وكثيرْ , بل لا مبالغةَ في القول أنّ الكثيرين في العراق يتمنّون العيش في ظروفٍ كظروف اللبنانيين الصعبة بدلاً من اوضاع العراق والعراقيين المزرية والمخيفة والمجهولة الآفاق القريبة والبعيدة .!
وحيث الحركة الأحتجاجية اللبنانية ما فتئت وما انفكّت مستمرّة , وقابلة للتوسع وللمضاعفات المحتملة ايضاً , كما من السابق لأوانه التطرّق عن التظاهرات المقبلة ليوم 25 \ 10 , فقد آثرنا هنا اختزال الحديث بصيغة الحدّ الأدنى , وربما اقلّ من ذلك .!