إذا كان محصول الحياة منية
فسيان حالا كل ساع وقاعد
جميعنا يعلم حتما، عندما يوكل أمر الى إنسان -سوي طبعا- فإن أول مايبدأ به (General outlook) نظرة خارجية عامة، وإجراء دراسة أولية شاملة، يلقي من خلالها نظرة سريعة على كل شاردة وواردة في ما يتعلق بما كلف به، وأول ما يتناول دراسته هو ما يسمى الـ (جدوى). وتبدأ لحظتها وثبته الأولى في خطى الفلاح، متأملا نيل النجاح، متوخيا الحذر لضمان الحصول على نتائج مفرحة لمساعيه، وقطعا سيحسب ألف حساب لخطواته، ليضمن مردودات سعيه، ومن دون محصول وريع لها، سيكون حاله كما صوره عمر الخيام في بيت الشعر أعلاه.
فإن كان الأمر المكلف به مشروعا استثماريا على سبيل المثال، ينصب اهتمامه حينها على الجدوى الاقتصادية للمشروع، وحين تكون الجدوى دون المستوى المطلوب، يكون الإقدام على المشروع ضربا من المقامرة والمجازفة، وهذا هو التهور بعينه، وكذا الحال على باقي الأعمال والمشاريع.
وقد يكون المرء حرا في تصرفه، في حال الأمر متعلق به وحده، إذ تعود مردودات تخطيطاته عليه دون الإضرار بالآخرين، أما حين يشمل الأمر مجموعة أناس موكل بهم، وهم مرؤوسون من قبله، فالأمر هنا يأخذ منحى آخر، يدخل في باب المسؤولية ومايترتب عليها من حقوق وواجبات، وسيكون محتما عليه مراعاة جوانب عدة قد يظنها تمر عليه مرور الكرام، إلا أنه سيُسأل عنها عاجلا وآجلا وفي كل حين، وقد قيل في هذا:
وإذا وُليت أمر قوم ليلة
فاعلم بأنك عنهم مسؤول
وإذا حملت الى القبور جنازة
فاعلم بأنك بعدها محمول
قبل ما يقرب من أربعة أعوام، كلف مجموعة من العراقيين كان عددهم حينها (325) عراقيا، ثم زاد العدد ثلاثة فصاروا (328) عدا نقدا، فردا فردا، نثية وفحل، بمهمة جليلة بكل ماتحمله الكلمة من معنى للجلال، تلك هي مهمة رئاسة وعضوية أهم مجلس من مجالس الدولة العراقية، والذي يمثل المواطن وينطق باسمه، ويعمل بإرادته ولمصلحته، ذاك هو مجلس النواب. وما اكتسابه هذه الأهمية إلا لكونه ينوب عن أكثر من خمس وثلاثين مليون فرد، وكل فرد له حقوق في بلده، وبلده كان قد خرج من أربعة عقود، تنوعت خلالها أشكال الظلم والغبن والغمط والقمع التي مورست ضده، وبذا فقد سلم أمر ماضيه وحاضره ومستقبله بيد هؤلاء الـ (328) مخلوقا، متكلا على الله أولا وعليهم ثانيا، في استبدال تلك العقود المظلمة بما يعوضه عن الحرمان والفاقة التي صهرت في بوتقتها أجيالا، إذ من غير المجدي ان يكون التغيير محافظا على ذات السلبيات المتبعة في النظام السابق، فحينها يكون الأمر كما قال شاعر:
إذا ماالجرح رُم على فساد
تبين فيه تفريط الطبيب
اليوم وقد أوشكت السنين الأربع على الانتهاء، كما انتهت الأربع التي سبقتها، سؤال يطرح نفسه مستقتلا على صفحات التاريخ؛ ماالجدوى التي حققها هؤلاء الـ (328) عراقيا؟ وأظن الجواب سيكون مسجلا بحروف عريضة على نفس الصفحات وتحت كل اسم من اسمائهم، لعظم المسؤولية الملقاة على عاتقهم. وفي حال كانت الإجابة لصالحهم، وسجل لهم التأريخ أنهم حققوا جدوى في الواجبات التي كلفوا بها، وأدوها كما ينبغي شرعا وقانونا وخلقا ومهنيا ووطنيا، فقطعا هم الرابحون، وسيدعو لهم رعيتهم بالثواب وحسن العاقبة. أما لو كانت الإجابة غير ذلك -وهي فعلا غير ذلك- فمن المؤكد انهم سيقابلون بارئهم بما يخزيهم من الأفعال، علاوة على الخزي الذي يسجلونه في دنياهم.
الذي يهم العراقيين اليوم هو المقبل من الأيام والآتي من الأشخاص، الذين سيتبادلون الأدوار مع السابقين ممن تبوأوا كراسيهم في مجلس النواب، وستوكل اليهم من جديد أمور البلاد وملايين العباد، وإن كان اليأس من جدوى السابقين قد تحقق وثبت وصار في عداد المسلم به بديهيا، فهل ثمة أمل باللاحقين من تحقيق جدوى تكافئ عناء العراقيين؟ الجواب يتكفل به الناخب وحده، وعليه لا على غيره، تقع مسؤولية انتقاء الصالح ونبذ الطالح، أما لو أعاد الكرة، وانتخب السيئين من جديد، فليتحمل وزر وضعه علامة صح أمام من اختار، وكما نقول (اللي من ايده الله يزيده) وليس له حينها غير النحيب والعويل على ما اقترفت يداه، وليردد بيت الأبوذية:
خلص عمري بصدودك… كله مني
وعلي ما جن طيوفك … كلمني
آنه اللي جرالي … كله مني
جبت بيدي الجرح دليته بيه