يبدو أن المثل الذي أخترناه عنوانا لمقالنا ينطبق بالكامل على الاتراك الذي ولد في رحمها هذا المثل ، وقصته تحكي حادثة وقعت في أحدى الحمامات التركية القديمة التي كانت تستعمل الحطب والأخشاب والنشارة لتسخين أرضية الحمام وتسخين المياه لتمرير البخار من خلال الشقوق ، وكانت قباب ومناور معظم الحمامات من الخشب ، وحدث أن حريقاً شبّ في حمام للنساء ، وحيث أن الحمام مخصص للنساء فقد اعتادت الكثيرات منهن على ألإستحمام عاريات ( مع ما فيه من المخالفة الشرعيّة ) لا يسترهنَ إلا البخار الكثيف ، وعندما شبّ الحريقُ ، هربت كل إمرأة كاسية ( أي : كانت لا تزال ترتدي ملابسها ) ، أما النسوة العاريات فقد بَقِينَ خشية وحياءً وفضّلوا الموت على الخروج ، وعند عودة صاحب الحمام هالَه وأفزعَه مارأى ، فسأل البوابَ : هل مات أحد من النساء ؟ فأجابه البواب: نعم …. فقال له من مات ؟ أجاب البواب 🙁 إللي إختشو ماتو !!! ) .
وفي يومنا هذا ، وعلى ما يبدو فان في أتوون السياسة سواء المحلية منها أو الدولية ، ولد الكثير ممن ( لم يستحوا ) وكشفوا عن عوراتهم بشكل صلف دون أن يحرك ذلك فيهم الحياء والخجل ، بل وباتت ( عدم المستحاة ) صفة ملازمة لهم يتفاخرون بها ، باعتبارها رمزا للرجولة والشجاعة . ولكي لا نخوض في تفاصيل عديدة في حوادث ومواقف تملأ مجلدات لا تكفيها حتى مكتبة الكونغرس الأمريكي ، وسنحاول التسليط فقط على مواقف حدثت مؤخرا ولازلنا نعيشها ، ونبدأها بالرئيس التركي طيب رجب أردوغان ، الذي أعلتى منبر السياسة ، بصورة الرجل الشجاع ، الهمام ، المدافع عن حقوق المسلمين في كافة أرجاء المعمورة ، وأمتلأت مواقع التواصل الإجتماعي بعلامات الاعجاب وكذلك قنوات التلفزة التي صورت لنا الرجل وكأنه منقذ المسلمين في المعمورة ، والذي سيطلق الاقصى من أسره ، إلا إن السيد أردوغان ترك ملابسه في الحمام مع بداية العمليات الجوية العسكرية الروسية لمكافحة المجاميع الإرهابية المسلحة ( داعش وأخواتها ) في سوريا ، ليكشر عن أنيابه بشكل فضيع ، وعلى مايبدو أن بخار الحمام الروسي قد ( لسعه ) بشكل جدي ، وفي المكان الغير المناسب له !!! ، ما دعاه الى إرتكاب ( حماقة ) إسقاط الطائرة العسكرية الروسية وقد أثبتت الوقائع بأن تنفيذها جاء بناء على ( حجز مسبق ) من قبل الولايات المتحدة ، وما أن تكشفت حقيقة الامر حتى راح يهرول هنا وهناك ( عاريا ) بعد أن ترك ملابسه في الحمام الروسي ، وراح يتخبط في تصريحاته ، فتارة لا يريد الاعتذار ، وأخرى بأنه لا يعرف هوية الطائرة التي تم إسقاطها ، ومن ثم محاولاته لتهدئة الامر مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي شدد على أنه ( لا اتصال مع اردوغان او لقاء اذا لم يسبقه اعتذار تركي رسمي ) وآخر التوسل في ايقاف العقوبات الروسية على بلاده والتي كانت تدر له عشرات المليارات من الدولارات سنويا .
حرارة الحمام الروسي كانت و على ما يبدو ( لا سعة ) في جسد الرئيس التركي ، ما قاده ذلك الى عمل ( أحمق ) وهستيري آخر ، تمثل في إرسال مئات من جنوده ودباباته الى العراق ، وطلعت علينا حكومته بمبررات ، تنم أيضا عن الارتباك والتشوش الفكري وعلى ما يبدو أن هذه العملية هي الأخرى تنفذها تؤكيا ( بحجز مسبق ) مع دفع أقيامها مسبقا ، فتارة تقول الحكومة التركية أن دخول قواتها جاء بالتشاور مع الحكومة المركزية في العراق ومسعود البرزاني ، وما أن نفت الحكومة العراقية ذلك جملة وتفصيلا ، حتى خرج علينا الاتراك بحجة جديدة هي ( حماية المستشارين الاتراك ) الذي يعملون في معسكر تدريب المتطوعين لتحرير الموصل ، وتارة أنهم جاءوا بناءا على طلب سابق من محافظها الاسبق أثيل النجيفي الذي يريد تحرير الموصل بقوات تركية وقطرية !!! يا ماشاء الله ، في الوقت الذي لايحتاج هؤلاء المستشارين لهذا الكم من الجنود والاليات ، وكان يكفيهم خمسة من عناصر ( داعش ) !! على أكثر تقدير ( والحليم بالاشارة يفهم ) .
واليوم وبكل ( وقاحة ) فإن الحكومة التركية وفي محاولة منها تهدأة غضب نظيرتها العراقية ، التي هددت من جانبها باللجوء الى مجلس الأمن بذلك ، ووفق المثل القائل ( العذر أقبح من الفعل ) فإن الاتراك يحاولون تهدأة العراقيين وانهم لن يقوموا بإرسال قوات أخرى ، وكأن المشكلة في إستقدام قوات إضافية ،!!! في تصرف ينم عن الإستهتار بمبادي القوانين الدولية والأعراف التي تختص الحدود الدولية ، !! وبالتالي سقط أردوغان ( بالقاضية ) كونه في هذه المرة ( كذب ) أيضا ، فعند تبريره لعملية إسقاط الطائرة شدد على أن بلاده لم تتجاوز على حدود بلدان الغير ، ولم تخرق أجواءها … الخ الخ .. أذن نريد تبريرا لما يفعله جيشه في العراق .
أما الولايات المتحدة الامريكية فقد تركت ثيابها في الحمام وغسلت وجهها ( ببولها ) كما يقول المثل العراقي ، منذ أن خرجت الى الوجود ، وإرتكابها مجازر ضد المواطنيين الأصليين من الهنود الحمر ، وما تبعها من ضرب اليابان بالقنبلة الذرية ، رغم أن اليابان لا تمتلك مثل هذه القنبلة ، ومرورا بحروب المنطقة ، ودعمها الفاضح والصارخ للكيان الصهيوني رغم أنف ( اللي يرضا وواللي مايرضا ) ، وحتى شنها الحرب ضد العراق بحجج واهية باتت أطراف من شنها الرئيسيين يتسابقون على فضح دورهم فيها بدءا بالجنرال كولن باول ( وزير الخارجية الامريكي الأسبق ) وأنتهاءا ما أعترف به مؤخرا الفريق مايكل فلين رئيس هيئة الاستخبارات في البنتاغون ، الذي ترأس الاستخبارات في العمليات المشتركة خلال حرب العراق ، في حديث إلى مجلة “دير شبيغل” الألمانية ، الأحد 29 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، والتي قال فيها بأن غزو هذا البلد العربي كان خطأ فادحا، إذ “مهما كان صدام حسين قاسيا، فلم يكن القضاء عليه أمرا صائبا!” ، ، وما يهمنا اليوم هو المؤامرات التي تقودها الولايات المتحدة ضد العراق وصلافتها ووقاحتها ، وتنفيذها مشاريعها في هذا البلد سواء في أجراءاتها لتقسيمه ، أو إدخاله في حرب ليس فقط أنهكت بها الخزينة العراقية ، وابادة ابناءه بحروب مرتبة بشكل عدائي تستهدف البناء الاجتماعي الموحد للشعب العراقي !!! وإنما أيضا محاولاتها إدخال العراق في دوامة الحرب الطائفية من جديد ودعمها لجميع المنظمات الإرهابية على الساحة العراقية والسورية بشكل ( سافر ) ، وفي تصرف ينم عن ( عدم الحياء ) للوجه الأمريكي القبيح ، تخرج علينا واشنطن ببيان ( سخيف ) لا يتناسب وحجم الفعل التركي ( السخيف ) والغير مبرر والتجاوز على الاراضي العراقية بشكل وقح ، فبموجب الاتفاقية الامنية الموقعة بين العراق والولايات المتحدة ، وكذلك قرار مجلس الأمن الدولي الذي أعتبر
الولايات المتحدة دولة إحتلال للعراق ، فهي ملزمة التزاما تاما بالدفاع عن العراق بشكل تام ، بعد تصفية الجيش العراقي بالكامل .
وفي الصعيد المحلي ، فالحديث عنه لا تكفيه ملايين الورقيات التي صنعها ( وراقو العراق ) على مر السنين منذ العهد العباسي وحتى يومنا هذا ، فإن 99.99 من الموجودين في هرم السلطة العراقية ، سواء التنفيذية منها أو التشريعية او القضائية ، يبدو أنهم تركوا ملابسهم في حمامات البلدان التي كانوا يقيمون فيها ، ولبسوا قناع ( الخسة والنذالة ، ) بشكل علني ، لتدمير العراق وسرقة ثرواته ، ولم يكفيهم ما سرقوه من مليارات الدولارات والثورات ، وراحوا يعتدون على مستقبل أطفال العراق أيضا ، وبيع ثورات هذا البلد بالآجل لأربعين سنة قادمة !! أيوجد في العالم أكثر من هذا ( الإنحطاط ) الخلقي ، حتى من تفاءلنا بقدومه ، وهو رئيس الحكومة حيدر العبادي ، والذي قيل عنه كونه من أسرة معروفة ، و يتصف بالنزاهة والحزم ، وأنه سيكون كمسوق ( رابصو ) عادل إمام الذي قال عنه في مسرحيته الشهيرة ( مدرسة المشاغبين ) بأنه الذي سينظف الوزارة كلها !!!! وحصل على تفويض المرجعية لإجراء إصلاحات حقيقية ، ولم يتردد الشعب في طلبه ومنحه تفويضا مليونيا للسير قدما في إصلاحاته ، فخرج العراقيين بالملايين ، ، ولكن على مايبدو أن السيد العبادي هو الاخر ترك ملابسه في حمام الكرادة حيث مسكنه ، ولسعته حراره التكتلات السياسية الموجودة ، فبدلا من أن يستقيل ويؤكد للشعب العراقي وبشجاعة عن عجزه في امكانية تحقيق آماله ( لأصبح بطلا قوميا ) وأصر الشعب على بقاءه مقابل الوقوف معه للرمق الأخير ، وبدلا من تخفيض الترهلات الموجودة في الدوائر العسكرية والمدنية والرئاسات والبرلمان ومجالس المحافظات التي تصل مصروفاتها الى ربع ميزانية العراق ، فإن السيد العبادي أول ما لفت أنتباهه هو رواتب الموظفين وإصداره سلم رواتب أراد فيه ( تقليص مصروفات الميزانية ) على الرغم من علمه بأن هذه الرواتب هي مصدر رزق هؤلاء الناس الوحيد وعيشهم !!! .
وبدلا من أن يلتفت السيد العبادي على رواتب الموظفين التي هي أصلا ( معدومة ) مقارنة بثروات العراق ، كان الأجدر به أن يلتفت الى المصاريف الأخرى التي يعبث بها هذا المسئول او ذاك في كافة مواقعهم الوظيفية من المدير العام وحتى رئيس الجمهورية الذي سافر مؤخرا للمشاركة في مؤتمر المناخ الذي أنعقد في باريس بأكبر وفد في العالم ضم أكثر من ثمانين عضوا ، في الوقت الذي أكتفت معظم الدول بواحد وأثنين ! وتكليف ميزانية الدولة فقط في سكنهم في إحدى الفنادق أكثر من 300 ألف دولار .. وهذه واحدة من المصاريف المهدورة ،، فبربكم هل مثل هؤلاء يستحقون البقاء والصمود في الحمام !!! ؟؟؟