لا تشير ولا تومئ فحوى هذا المقال الى التشكيك بالجهاز القضائي العراقي , بل لعلّها مجازفةٌ لمن يفكّر بذلك , على الرغم من أنّ منظمات انسانيةٍ ودوليّة سبق لها واتهمت القضاء العراقي بالتسييس وإصدار احكامٍ بالأعدامات لأشخاصٍ جرى انتزاع اعترافاتهم بالقوة , وكان ذلك في زمن الحكومة السابقة , وكانت مواقع الكترونية ومصادر إخبارية قد عزّزت من تلكم الأتهامات .
نؤشّر اولاً أنّ هنالك فرقٌ شاسع بين القائمين على القضاء الحالي , وبين تفاصيل وفقرات قانون العقوبات في مجالاته الشتّى , وكذلك مساحة الهامش الضيّقة التي يختار بها ايّ قاضٍ للعقوبة المثلى لأيةِ جريمةٍ ما , علماً أننا هنا لسنا بصدد التعرّض للجرائم السياسية او الأرهابية , ومرادفاتها كذلك .
ونؤشّر ثانياً أنّ العقوبات التي ينصُّ عليها القانون , وكذلك الأحكام التي يصدرها القضاة هي ليست مقدّسة بالتأكيد , بل ينبغي لعموم العقوبات المشرّعة والمذكورة في القانون , أن لا تغدو جامدة ومتخشّبة ! وأن تتأثر وتتفاعل مع الظرف والزمان والمتغيرات الأجتماعية , ويتوجب أن تتحلّى بالمرونة والديناميكية للتحديث والتطوير من وقتٍ لآخر , كما من المفترض لأية فقرة عقابية في القانون , وكذلك لأية احكامٍ يصدرها القضاء بهذا الشأن أن تحظى بمقبولية سيكولوجية لعموم المجتمع ولا سيّما من قِبل ” قادة الرأي ” , ولتقريب الصورة اكثر ” من دونِ عدسات ” فلا بأس أن نختار أحد وأحدث الأمثلة الذي حدثت خلال الأيام الماضية < هي صدور حكم قضائي بحبس مدير عام الخطوط الجوية العراقية ” سامر عبد كبّه ” لمدة سنتين بتهمة تلقّيه الرشوة > , ونجزم او نكاد نجزم بأنّ كافة او معظم مواطني هذا الشعب يجدون ويرون أنّ الحُكم بسنتين لهذا المتهم هو حُكمٌ مخفّف ومتساهل للغاية , وانه يشجع غيره للتمادي في التعامل بالرشا , وخصوصاً بتوقعاتٍ لصدور قراراتٍ بالعفو بين احايينٍ واخريات , وبمناسباتٍ دينية او سياسية .! , ثُمّ أنّ هذا الرفض الجماهيري المفترض لمثل تلك العقوبة المشار لها , فأنه يفتح على الدولة ابواباً ونوافذاً ! هي في غنى عنها , فمن حقّ الجمهور والإعلام التساؤل عن مبلغ رشوة مدير عام الخطوط الجوية , ومَن الجهة التي قدّمتها له ! , وهل من المعقول أنها المرّة الأولى لهذا المتهم بتلقّي الرشا طوال سنوات عمله في منصبه .! ولماذا لا يجري تحقيقٌ دقيق في ماضي المتهم , وعمّن يشاركه بهذه الجريمة , وهنالك افرازاتٌ وتساؤلاتٌ اخرياتٌ بهذا الشأن .
السيد ” سامر كبّه ” هو ليس الهدف المنتخب لطرحنا هذا , وما ذكرناه بهذا الشأن ينسحب على غيره وسواه بالطبع .
ونشير مرّةً اخرى بأنّ تهمة او جريمة تلقّي الرشا من قبل مسؤولين في الدولة , فانها قد تضحى الجريمة الأخفّ من سواها ضمن جرائم السلب والتسليب والخطف والأعتداءات المسلحة , وكذلك الأخفّ في عقوبتها .!
المطلوب من القضاء العراقي ” وبألحاحٍ وحرارة ” تشريع واصدار احكام وقوانين تشدد على < الردع > لمنع او تقليل نسبة ارتكاب الجرائم المختلفة , فالعراق الآن هو بلد استثنائي سلباً وبكلّ المقاييس , والظرف الفريد المفروض على المجتمع العراقي هو اكثر استثناءً وشذوذاً عن كافة المجتمعات , لذا فالمطلوب اكثر هو توسيع عقوبة الإعدام الى ابعدِ مدى ممكن , واعادة تشديد العقوبات القضائية , فالأنفلات الأمني – الأجتماعي قد اجتاز فيه السيل الزبى ولمسافاتٍ ماراثونية .!