لم اقم بزيارة ليبيا : لا سائحاً ، ولا مدعواً من جهة ليبية ، ولا موفداً من جهة عراقية . وانا راضٍ وربما سعيد بما حصل . كانت ممارسات النظام العسكري الليبي (مُنفِّرة) . واتذكر انني قرأتُ ، مطلع سبعينات القرن الماضي ، وفي جريدة لبنانية ، تساؤلاً هذا نصه : من يخلص العرب من المال الليبي ؟ . لم تكن الارض الليبية مغرية للزيارة . كانت الحماقة سمة ممارسات هذا النظام . فحين قال مسؤول عراقي بأنه سيحرق نصف اسرائيل بالكيمياوي المزدوج ، وقف مسؤول ليبي ، ليقول : ونحن الليبيون سنتكفل باحراق النصف الباقي ! . والنتيجة : أُحرق العراق باليورانيوم المنظب وغيره ، وتم احراق ليبيا ، وبقيت اسرائيل بعيدة عن المزدوج .
بقيت بعيداً عن ليبيا . الا انه عام 1974 توفرت الفرصة للاقتراب من مسار الاحداث في ليبيا . وقتها زار العراق مدعواً من رئيس تحرير جريدة الثورة ، الصحفي الليبي عمر الحامدي ، رئيس تحرير جريدة الفجر الجديد الليبية . ولعبت المصادفة دورها . فعن طريق الاعلامي العراقي المصاحب للضيف الليبي ، اقتربتُ من معرفة بعض وقائع زيارة الحامدي . وخلال هذه الزيارة اقام السفير الليبي في العراق دعوة غداء في مطعم (فاروق) مجاور معرض بغداد وكنتُ ضمن المدعوين . وعلى هامش هذه الدعوة تحدث الليبيان : الحامدي والسفير ، وكان شخصية مثقفة اختير لاحقاً ليصبح وزيراً للتعليم العالي في بلاده . كان مضمون حديثهما مليئاً بالتطلعات القومية ، والاعجاب بحكم عبد الناصر في مصر .
تحدثوا كثيراً ، وشككوا – بشكل مخفف ودبلوماسي بسبب الضيافة – بتوجهات النظام العراقي القومية . وهنا فاجأ الحامدي الحاضرين العراقيين بطلب اللقاء مع شخصية عراقية قومية ناصرية لم يتم (تدجينها) ، اي لم يتم احتواؤها . وفي وقت لاحق تم تسمية هذه الشخصية وتم اللقاء المنفرد بينهما . وبعد ذلك بسنوات عُين هذا العراقي (غير المدجن) وكيلاً لوزارة الثقافة والاعلام في العراق ، واستمر في هذه المسؤولية حتى احتلال العراق .
الليبي عمر الحامدي ، حل في العراق ، عام 1974 ، يبحث عن شخصية قومية لم يتم (تدجينها) ، فهل عثر عليها ؟.