22 ديسمبر، 2024 11:22 م

يتفق أغلب مثقفي العالم في عصرنا هذا على الكثير من الملاحظات المهمة المُرتبطة بموضوع الخالق (الله)، أدرج بعضاً منها أدناه ( مُحتفظاً بعدم الكشف عن رأيّ الشخصي حولها ):

أولاً:

أنّ خالق الكون المُفترض (الله) ما يزال أمراً علمياً مجهولاً أمام إمكانيات العقل البشري الحالية، كما أنّ جميع كتب وأدبيات الأديان لا تتضمن أيّ جديد أو مفيد عن (الله) وأسرار الكون والحياة والموت أكثر مما كان العقل البشري قد تَصوّره عن هذه الأمور قبل عشرات الألوف من السنين، رغم أنّ كل دين أو مذهب ديني يدّعي أنه هو الأفضل والأصح بين كل الأديان والمذاهب الدينية وأنه يحوي على كل الإجابات المطلوبة!

ثانياً:

أنّ توصّل العقل البشري في منتصف القرن التاسع عشر بعد الميلاد الى نظرية داروين التي أثبتتْ أنّ جميع الكائنات الحية على سطح الأرض تنحدر مِن أسلاف وراثية مشتركة، لا علاقة له مطلقاً بمسألة وجود (الله) أو عدم وجوده، وأنما نظرية داروين تدْعم بقوة المنطق الذي يرى أنّ جميع الأديان هي إبتكارٌ توصّل اليه العقل البشري قديماً من أجل وضع أسس إدارية وقانونية تُدير العلاقات بين أفراد المجتمعات البشرية البدائية والتي كانت تخلو حينها تماماً من أيّ شكل من أشكال الإدارة والقانون.

ثالثاً:

أنّ التركيبة العضوية للعقل البشري كانت وما تزال تتصف بأنها تبحث دائماً عن المصلحة الذاتية للفرد، ولذا فإن الإنسان الذي ما يزال يعيش في مجتمعات لا تتوفر فيها فُرص العيش المناسبة لا يجد طريقاً لمساعدة نفسه سوى إفتراض وجود قوة سحرية خالقة للإنسان وليتوسل اليها لتقوم بإنقاذه مِن صعوبات العيش، وهكذا ترى أنّ المجتمعات التي تعاني من سوء إداراتها ومن كثرة متاعب الحياة فيها تتصف بزيادة تمسك أفرادها بـ (الدين) أو المذهب الديني المتوارث مِن الآباء والأجداد من أجل التواصل مع (الله) وعبادته وإستجداء مساعدته مما يؤدي الى إزدياد وتتوسع أعداد وواردات دُور العبادة في مثل هذه المجتعات مُقابل إستمرار الظروف والأوضاع التي تنتقِص من حقوق وكرامة الإنسان، مُنوّهين الى أنّ واردات دُور العبادة قد تزداد أيضاً في عدد قليل من المجتمعات القليلة السكان والغنية بمواردها الطبيعية بسبب ما تحصل عليه دُور العبادة في تلك المجتمعات الصغيرة من أموال الأغنياء الذين يعتقدون أنّ أموالهم ستزداد إذا ما مَنحوا المزيد منها الى دور العبادة شاكرين (الله) الذي أغناهم وأفقر الآخرين من بشر الأرض، بينما تقل مظاهر الإلتزام بالتفاصيل والأحكام الدينية الموروثة وتقل مظاهر الإستجداء من (الله) في عموم المجتمعات التي تتوفر فيها المساواة وفرص العيش المناسب والكريم للجميع كما هو الحال في الكثير من المجتمعات الغربية، حيث تتحول فيها المعابد والأماكن الدينية تدريجياً الى أماكن تراثية، ويكون الإحتفال بأيام العطل الدينية في الغالب بإعتبارها مناسبات للراحة والمتعة أكثر من كونها مناسبة دينية بحتة، دون أنْ يعني ذلك ضرورة عدم إعتقاد أغلبية تلك المجتمعات بوجود (الله) ودون أنْ يعني ذلك أيضاً عدم وجود مَنْ يحافظ على إعتقاده الديني الشخصي دون أنْ يفرض نتائج إعتقاده على الآخرين، فعموم أفراد المجتمعات الغربية تدرك جيداً أنّ أسرار وجود (الله) وأسرار الحياة والموت ما تزال غامضة ومبهمة علمياً وربما قد يحتاج العقل البشري لطفرات وراثية للتعرف على بعض من خبايا تلك الأسرار!

رابعاً:

(الله) ليس محتاجاً لتعبُد وتذلل الإنسان له إستجداءاً للرحمة والعون والمساعدة لأنّ مِن المنطق أنْ يكون (الله) أدرى بما يعمل دون أنْ يتصِف بالصِفة السيئة التي يتصف بها القادة الدكتاتوريين من البشر الذين لا يسامحون ولا يرحمون ولا يساعدون كل مَنْ لا يمدحهم ويتوسل اليهم ويتذلل أمامهم.

إصرار رجال أغلب الأديان والمذاهب الدينية على تحميل (الله) صفات الدكتاتور البشري الذي ينتقم من كل إنسان لا يعترف بوجوده حتى وأن كان ذلك الإنسان يتصِف بالأخلاق المثالية الفاضلة، هو ليس نتيجة إيمان اولئك رجال الأديان والمذاهب الدينية بصحة هكذا أحكام غير منطقية وإنما هو نتيجة رغبة خفيّة وأحيانا رغبة مُعلنة لأغلب رجال الأديان والمذاهب الدينية لفرض سلطتهم على جميع أفراد مجتمعاتهم بإعتبارهم هُمْ مَن يمثلون (الله) على الأرض والى الحد الذي يُلبي كل أطماعهم الخفيّة والغير معلنة في السلطة والمتعة والمال، بينما قد ستخْلو مجتمعات العالم من جميع رجال الأديان فيما لو توفرت أمام هؤلاء الرجال فُرص عمَل أخرى ذات موارد مالية ومنافع إجتماعية ومتعة أكثر من تلك التي تُوفرها لهم المِهن الدينية!

خامساً:

ليس صحيحاً التمييز في التعامل بين إنسان وآخر بسبب اللون أو الجنس أو الدين أو إيمان الإنسان بوجود (الله) أو عدم وجوده، فكل إنسان ومهما كان لونه أو جنسه أو دينه أو أيمانه أو عدم أيمانه بـ (الله) يتمنى بحكم مصالحه الذاتية المشروعة أنْ يُعامله الآخرون بالمساواة والأخلاق الحسنة، مثلما يترتب على هذا الإنسان أنْ يُعامل كل الآخرين أيضاً بذات الأخلاق حسنة من عدل ومساواة وصدق وأمانة ونزاهة وتضحية ورحمة ومحبة وحرص ووفاء للوالدين ومساعدة كل الضعفاء والمحتاجين، وهكذا يُمكننا تَوقُع تعايش جميع أفراد المجتمع بظروف وأخلاق إنسانية راقية لا علاقة لها بالمعتقد الديني الشخصي لكل فرد، حتى أنّ (الله) سيكون راضياً ومسروراً وسعيداً بِسواد مثل هذه الأخلاق بين البشر الذين خلَقهم!

سادساً:

لكل إنسان الحرية المُطْلقة بالإعتقاد أو عدم الإعتقاد بدين أو مذهب ديني مثلما له الحرية المطلقة في الإعتقاد أو عدم الإعتقاد بوجود (الله)، فكل ذلك هو ضمن أبسط حقوقه الإنسانية، لكن ما هو غير منطقي وغير صحيح هو أنْ يقوم الإنسان بالتجاوز على الحقوق المماثلة للآخرين من أفراد مجتمعه، وذلك حينما يقوم ذلك الإنسان بفرض قيود وأصول وأحكام ما يُؤمن به من دين أو مذهب ديني على بقية أفراد مجتمعه حارماً إياهم من حقوقهم في رفض أو قبول تلك القيود والأصول والأحكام الدينية.

سابعاً:

كل مُثقفي المجتمعات التي يتمتع أفرادها بالعدل والمساواة والعيش النسبيّ الكريم يُجمِعون على أن الحالة الطبيعية للتركيبة العضوية لعقل الفرد الذي يعيش في مجتمعاتهم تجعله، سواءاً إعتقد بوجود الله أمْ لمْ يعتقد، يختار التصرف مع الآخرين بمثل ما يتمنى أنْ يعاملوه به، ففي ذلك تتحقق مصلحته الذاتية المماثلة لمصالح الآخرين أيضاً، أما بالنسبة للأفراد الذين يُحاولون التجاوز على حقوق الآخرين فيتم محاسبتهم حسب قوانين المجتمع التي لا علاقة لها بـ (الدين) أو بمسألة الإعتقاد أو عدم الإعتقاد بـ (الله)، مُشيرين الى أنّ التجاوز على حقوق الآخرين يتضاعف مئات المرات في المجتمعات التي يتوارث أغلب أفرادها إجتماعياً الإيمان أو الإعتقاد بـ (الله) وبالأحكام الدينية والى الدرجة التي غالباً ما تجعل مثل هذه المجتمعات في مقدمة المجتمعات إساءةً لحقوق الإنسان فيها، وهذا ما يؤكد أنّ الظن بأنّ تبني ثقافة (الخوف) من الله ليست الحل المناسب لبناء مجتمع يتمتع أفراده بحقوقهم الإنسانية، كما أنّ تربية الإنسان بأسلوب (الخوف) عموماً يؤدي الى نتائج سلبية كثيرة تفوق الإيجابات المزعومة، ناهيك عن أنّ أسلوب التخويف والتهديد لا يليق عموماً بالإنسان والإنسانية ولا يصلح إستخدام مثل هذا الأسلوب مع الإنسان الا في حالات خاصة ومحدودة جداً وبإعتباره آخر الحلول، في حين قد يكون أسلوب (الخوف) مناسباً لإستخدامه كأول وآخر الحلول في تدريب بعض الحيوانات وليس (جميعها)!

ثامناً:

أغلب أفراد المجتمعات التي يَسود فيها العدل والمساواة والعيش النسبي الكريم يتعاملون مع أيّ فرد من أفراد مجتمعهم وفقاً لمؤهلاته وأخلاقه وتصرفاته مع الآخرين بدون التعرّف أو الإطلاع مطلقاً على رأيّ ذلك الفرد في الـ (دين) أو في مسألة وجود الله أو عدم وجوده، فتلك هي مسائل خاصة وشخصية عائدة الى الفرد ولا يحق لأحد التعرف عليها أو التدخُل فيها.

يتبع ..

اعلاه هو الجزء الثاني من المقال الاول في الفصل الاول من كتاب ( أحترم جدا هذا الدين ).