18 ديسمبر، 2024 11:52 م

الله .. الدم .. الوطن … تسوية كبرى مطلوبة !!!

الله .. الدم .. الوطن … تسوية كبرى مطلوبة !!!

بين حين واخر تطرح مسألة التسوية السياسية او المجتمعية تحت عناوين شتى ، واليوم حين يقود المجلس الإسلامي الأعلى ما يوصف بالتسوية التاريخية الكبرى تستعيد الوقائع التاريخية الكثير من براثن التسميات المغلوطة للدين الإسلامي بعد ان اخذنا نسمع عن دين ال البيت الاطهار عليهم السلام ودين الأمويين ومن بعدهم العباسيين ، دون موقف واضح وصريح من المرجعيات الدينية سواء في النجف الاشرف او في غيرها من بيوت الإفتاء لأهل السنة والجماعة ، والسؤال كيف يمكن فج دملة التصارع الطائفي باسم المذاهب الإسلامية تحت عنوان التسوية التاريخية الكبرى ؟؟
لست برجل دين وأيضا لست من سياسي هذا العصر لكي افتي في موضوع التسوية التاريخية الكبرى لكني على قناعة راسخة بان اية تسوية ما بعد حرب أهلية لابد وان تبدأ مجتمعيا وبعد البرهان الواضح بان جميع الفواعل الاجتماعية، من قادة رأي عام، وأبرزهم خطباء المنابر الدينية، ومن بعدهم رؤساء العشائر والبيوتات المعروفة، حين يجتمعون على ان نهاية حرب أهلية كما حصل في عراق الامس القريب يمكن ان تنتهي بتسوية تاريخية، لابد وان تقوم على الاتي:
أولا : هناك ميتافيزيقية كبرى في الموروث الديني ، ويصح القول على المرء ان يتأدب عند ذكر مكارم الاولياء الصالحين، لكن هذا الموروث المتناقض والمتغالب في صرعاته المجتمعية في مظاهر شعائرية ما بين الطرق الصوفية ومدرسة ال البيت الاطهار تجعل الحديث عن مثل هذه التسوية بعيد المنال ، فالتناقض صارخ ، والاستخدام السياسي له مفجع بإفراط، لاسيما وان الإسلام السياسي في العراق الجديد قامت احزابه على نظريات هذا التناقض وليس على تقريب المذاهب ،فالغلبة في الوصول الى السلطة انما تقوم على مفاهيم مسترجعة من بطون الكتب واحاديث البعض يجدها ضعيفة حينما لا تطابق مصالحة ويصفها بالمعتبرة والقوية حين تصب في مصلحته ، فانتهى خطيب المنبر الديني الى الترويج لأي من الطرفين ، وكذا هو حال الصحافة الحزبية الاسلاموية ضمن هذا الخط وليس خارجه ، فظهرت مصطلحات مثل (مختار العصر) وغيرها من المصطلحات التي تعظم وتسقط هذا او ذاك من شخوص متصدية في العمل السياسي المعاصر .
ثانيا : لا مناص من القول ان علاقة الكثير من الشخصيات السياسية في التحالف الوطني مع مرجعيات النجف الاشرف لا تزيد عن توظيف هذه العلاقة في تمكينها من حصد أصوات الناخبين ، وهو ما وقعت فيه بيانات مكاتب المرجعيات الدينية لمقلديها في تفضيل الإسلام السياسي واعتبار العلمانيين او المدنيين خارج سياق المطلوب او هكذا فسّر لعامة الناس من على منابر بعض الوكلاء في خطب الجمعة ، مما قلل فرص الحشد الجماهيري لهذه التيارات من ذات عنوان الفتوى التي أصدرها المرجع اية الله محسن الحكيم ،رحمه الله ، ووصفه السلبي الذي نعت به الشيوعية حينها، فان هذه البيانات والخطب قد صبت من حيث تدري المرجعية الدينية او لا تدري في مصلحة أحزاب الإسلام السياسي ، وما زالت تفعل ، بل وهناك البعض ممن يصر في خطاباته على ترويج ذات النموذج من الاقوال بان من لا ينتخب الإسلاميين تحرم عليه زوجته، هذه الشائعة التي انتشرت كالنار في الهشيم في اول انتخابات برلمانية عراقية معاصرة .
ثالثا : وأيضا لا مناص من الحديث عن ميراث الدم في مرحلة التسوية التاريخية الكبرى التي يجري الحديث عنها في هذه المرحلة ، فميراث الدم قضية لا يمكن تجاهلها والمرور بها مرور الكرام، بل تحتاج الى فتاوى دينية من جميع الأطراف تطوي صفحة وتفتح صفحة أخرى ، ولكن
ليس بطريقة (( من لم تغمس أيديهم بدماء العراقيين )) لان واقع الحال ، الاغلب الاعم قد غمس كلتا يديه بدمائنا كشعب اعزل يبحث عن الأمان عند هذا او ذلك ، حتى بات المرء لا يأمن على ماله وعرضه ، وظهرت مكاتب لأحزاب ومليشيات بمسميات متعددة كلها تستمد عناوينها من مرجعيات دينية وميراث فكري وتاريخي متضارب بل والانكى ان هذه الجهات بهذه المسميات تتعارك فيما بينها تحت مسميات الخيانة للمبادئ والأصول الفكرية .
رابعا: ولا يصح الحديث عن تسوية تاريخية من دون ذكر الفساد والمفسدين، واليات تقنين هذا الفساد حتى تحول الى فساد مجتمعي حتى بات العراقي يبحث عن الهجرة والغربة عن وطنه بعد ان يأس الكثير من قيادات اسلاموية تتصدى للحديث باسم الدين، ولكنها تبعث بأولادنا الى سوح القتال ضد داعش وزيارة واحدة لوادي السلام تكفي للحديث عن شهداء العراق الجديد وهم يقعون ضحية متجددة لنموذج الحرب العراقية الإيرانية ولكن بصيغة أخرى.
في ضوء كل ما تقدم: كيف يمكن ان تتبلور المصالحة المجتمعية او التسوية الكبرى ..؟؟
الجواب على ذلك باختصار يفرضه فن المقال في الاتي:
أولا : تسوية دينية بين المرجعيات المتعارف عليها في النجف الاشرف وكربلاء المقدسة وبيوت الإفتاء لأهل السنة والجماعة ، في مؤتمر وطني يتعامل مع مشكلة العراق اليوم وليس مع معطيات الموروث التاريخي، ولعلي اذكر هنا نموذج مؤتمر التقريب الديني الذي عقدته مؤسسة عمار الخيرية قبل أسابيع في فندق بابل ، لكن يحتاج الى مرجعيات عراقية تتبنى هذا الموضوع وليس البارونة البريطانية (ايما نيكلسون) وان كانت مشكورة على مبادرتها، وهي قضية لابد ان تنهض بها مرجعيات النجف الاشرف أولا ليس بالأشراف والتوجيه بل بالعمل الميداني المباشر وهي قادرة على ذلك قولا وفعلا .
ثانيا : أي تسوية مجتمعية تاريخية بعد حرب أهلية بحاجة الى خبرة دولية محايدة ، ومثل هذه الخبرة تأتي من تجارب الشعوب وقدرات الأمم المتحدة على حل النزاعات والمنظمات الدولية المناظرة مثل منظمة حل الازمات الدولية التي مقرها في بروكسل، وأيضا المعاهد ومركز الأبحاث الدولية المعروفة، وتشكيل فريق عمل وطني من الجامعات العراقية للعلوم السياسية والاجتماعية والاقتصادية وفريق اممي مناظر ، يمكن ان ينتهي الى حلول تتبنى من قبل مجلس الامن الدولي ، كون الوضع الحالي في العراق هو نتيجة صارخة لقرار مجلس الامن الدولي الذي وصف الوجود العسكري الأجنبي على ارضيه ب” الاحتلال” ، وما يمكن ان يتمخض عن هذا المؤتمر الدولي برعاية الأمم المتحدة من حلول شاملة خارج سياق الحوار بين الاضداد السياسيين كما يفعل اليوم السيد عمار الحكيم في مبادرته لتسوية التاريخية الشاملة .
ثالثا: لابد من العودة بالدستور العراقي الى نقطة الصفر والانطلاق من جديد في صياغته بموجب القرار الدولي الذي يصدر عن نتائج المؤتمر الدولي لتبادل الخبرات في حل المعضلة العراقية، ويقوم الحل على تعزيز الاعتراف الدولي بحدود العراق الجغرافية وسيادته كشعب واحد في نظام حكم يتم التصويت عليه من قبل مجلس تأسيسي قائم على عقد اجتماعي يرسخ نظام الحكم من خلال أحزاب وطنية تمثل على الأقل 15 محافظة عراقية، ولا تقل الهيئة المؤسسة لأي حزب عن ألف شخصية من هذه المحافظات ومن جميع شرائحها الاجتماعية.
رابعا: ان يصدر مجلس الامن الدولي في ذات القرار المنشود فقرات ملزمة بموجب الفصل السابع للدول المجاورة للعراق في عدم التدخل في شؤونه الداخلية والحفاظ على علاقات جوار حميدة، وأيضا الدعم الدولي للعراق في نموذج حكمه الجديد للحفاظ على موارده الاقتصادية في الطاقة والمياه، وتقديم العون المباشر لإعادة بناء اقتصاده المتهالك لاسيما في المناطق المحررة من براثن داعش وخرابها فضلا عن خراب الفساد ناهيك عن تسوية جديدة لديونه من خلال نادي باريس لعل وعسى توظف ثرواته لبناء وطن يسع الجميع.