نحن امة لا تقرأ مع أن كتابنا الأقدس افتتح آياته بكلمة اقرأ فالعالم من حولنا يكتب الذي يريد بنا وينشره على الملأ ومع ذلك لا ننتبه للذي يحدث في عالم البقاء فيه للأصلح والأقوى والأذكى وللذي يقرأ , فالجميع يتطور إلا نحن حيث لا زلنا نعيش بمنطق ( خليها على الله ) ومنطق ( اني شعليه ) ومبدأ ( يمكرون ويمكر الله ) ,ومنطق (اللهم اشغل الظالمين بالظالمين وأخرجنا منهم سالمين ) ولكن الذي حدث ويحدث ان الكافرين قلبوا الطاولة فوق رؤؤسنا واعتمدوا ( اللهم اشغل المسلمين بالمسلمين عن تناول أطراف الكافرين ) نشرت مجلة القوات المسلحة الأمريكية ( AFJ ( ARMED FORCES JOURNAL في تموز 2006 تقريرا تحت عنوان ( حدود الدم كيف يبدو الشرق الأوسط أفضل ) للكاتب رالف بيترز والتقرير يتمثل بإعادة إنتاج وثيقة ( كيفونيم ) والتي كتبها الناشط اليهودي إسرائيل شاماك في حزيران 1982 والتي كانت تمثل آنذاك وجهة نظر حزب الليكود بزعامة أريل شارون والدراسة والتقرير طرحت ضرورة إعادة رسم خارطة الشرق الأوسط وتقسيمه إلى دويلات جديدة باعتبار أن ذلك التقسيم هو تصحيح للحدود الخاطئة في الحوض الإسلامي واستبدالها بحدود أخرى أطلق عليها حدود الدم , وترى الخطة الإسرائيلية انه يجب التركيز على الانقسامات العرقية والدينية في دول العالم العربي واصفة دول العالم العربي بأنها مثل البيت المؤقت بأساسات ضعيفة وان بث الكراهية بين أصحاب البيت هو الطريق الأنجع والأقصر لتغيير معالم وحدود الدول العربية التي تشكلت في حقبة 1339 -1948 م والتي لم يكن للدول العربية أي دور فيها وعليه لا يكون لهم أي دور في إعادة ترسيمها ثانية .
لإنجاح هكذا مشروع لابد من آليات عمل دقيقة تعتمد على قواعد علمية اجتماعية واقعية تقوم على دراسة متعمقة للعقلية العربية ومعرفة أسباب الاختلاف والتقارب في بنية مجتمعات الشرق الأوسط , وحيث أن الدين يمثل المنظومة الأساسية في فكر إنسان الشرق الأوسط والتي تتحرك المجتمعات بموجبها باتجاهات العنف والسلم صار لزاما أن تُستهدف المجتمعات العربية الإسلامية بالاعتماد على دينها لأنه المحرك الرئيسي لها والتاريخ الإنساني كفيل بإثبات إن الفكر الديني كان ولا يزال الدافع الأول في ارتكاب أسوء أنواع الجرائم على مر العصور حيث إن المنظومة الإسلامية ركزت على إن الإنسان المسلم يجب أن يَقتل ويٌقتل من اجل دينه وما حال ارتداء حزام ناسف أو ركوب عجلة مفخخة إلا دليل على قوة الدين في تحريك الإنسان باتجاه الموت بدون وجل أو خوف , صار لزاما لكي ينجح مشروع التقسيم أن يستند إلى الانقسام الديني الموجود في المنطقة , وكان العراق هو نقطة الانطلاق باعتباره الركيزة الأساسية التي يستند إليها العالم العربي حيث انه جمجمة العرب ورمح الله في الأرض كما قيل في التاريخ , ولان العراق يمتلك تنوع يكاد يكون فريدا من نوعه فكل الديانات المختلفة والمذاهب الإسلامية موجودة في العراق بكل أنواعها وتفاصيلها , والناس في العراق متعايشة مع بعضها البعض منذ قرون طوال بشكل موزاييك أو فسيفساء كما يقول الجعفري( تقدست أسراره ), وكانت البداية بعد احتلال العراق 2003 حيث تحول العراق إلى (مكة للإرهابيين )
يستقطبهم من كل أرجاء الأرض كما وصفها اشلي تيلس Ashley tallies ,وهنا نستطيع أن نجزم أن تفتيت العراق ونشر الفوضى والحرب الاهلية لم يكون غير متوقع للإدارة الأمريكية بل إن ذلك هو الهدف الذي سعت إلى تحقيقه , في العراق اختلط الدين بالسياسة والديمقراطية بالعنف وسلطة الدولة بسلطة المؤسسة الدينية , وكانت النتيجة أن تحللت كل أشكال الروابط في المجتمع العراقي وتلاشت الدولة نهائيا بعد تفكيك ونهب مؤسساتها , ولا يخفى عن أصحاب العقول إن الذي حدث في العراق بعد 9 نيسان 2003 يعود إلى خلل بنيوي قديم في التركيبة الاجتماعية والثقافية للمجتمع العراقي تلازم مع احتقانات طائفية ومذهبية أمكن السيطرة عليها مؤقتا في الأنظمة السابقة بقوة الدولة لا بقوة العقد الاجتماعي . إن العنف الذي حدث ويحدث في العراق لا سابق له وأصبح صناعة وطنية عراقية بامتياز من إنتاج المجتمع العراقي نفسه الذي تحطمت فيه كل الروابط وأسس التعايش القديمة حيث إن مجموعة قوى منظمة ومسلحة جديدة أخذت المبادرة وراحت تعيد صياغة عقد اجتماعي جديد يناسب توجهاتها وأهدافها وأصبح الفرد العراقي أمام خيارين لا ثالث لهما فهو أما مع أو ضد في مجتمع لا سلطة للدولة فيه ولا للقانون أي تأثير على حركته , وهكذا تم تشريع ثقافة الفرهود والغنيمة بين أحزاب السلطة والقوى الاجتماعية وتعداه إلى نشر وتطبيق هذه الثقافة بين المواطنين في العراق , وأصبحت التعددية وبالا على العراق لأنها دمرت فيه روح المواطنة وأحلت محلها مبدأ الطائفة وهنا حل الفشل لان المجتمع انقسم على نفسه وأصبح بعضه يكره بعض وشاعت ثقافة الكراهية بديلا عن ثقافة التعايش بين أبناء البلد الواحد فالسني يكره الشيعي والشيعي يكره السني والمسلم لا تهتز له شعرة باتجاه سبي الايزيديات أو قتل وتهجير مسيحيي العراق وهنا نستطيع أن نقول إننا وصلنا إلى ذروة الفشل وتتحمل حكومة المالكي هذا الفشل بالدرجة الأولى , وعلى حكومة العبادي أن تنتبه لهذه القضية الخطيرة التي كان داعش من نتاجها وتضع حدا لثقافة الكراهية والانقسامات الطائفية التي حدثت في المجتمع العراقي وإلا أن البلاد ستتفتت وسيظهر ألف داعش جديد يستفيد من هذه الثغرة الموجودة والواضحة في بنية المجتمع العراقي الحالي , لا يعرف التاريخ الإنساني مجتمعا واحدا قام على أساس التفرد الثقافي لذلك صارت الحاجة إلى سياسات ثقافية لبناء الهوية العراقية أساسية لتجاوز أزمة الانقسام الذي يتزايد يوما بعد يوم في بنية المجتمع العراقي .
إن الانقسام بين الشيعة والسنة في العراق بعد 2003 ليس انقساما دينيا في الأساس بل هو انقسام حول السلطة والفراغ الذي خلفه إقصاء الجيش الأمريكي لنظام صدام حسين المحسوب على الطائفة السنية , والذي أحسن الشيعة استغلال ذلك باعتبارهم المكون الأكبر في المجتمع العراقي ومن متطلبات الديمقراطية أن تكون دفة الحكم بأيديهم , بينما لم يستوعب سنة العراق ذلك فظهرت مقاومة شرسة استمرت منذ 2003 ولحد اللحظة كان ذروتها ظهور داعش أشرس تنظيم إرهابي على مستوى العالم , الجدير بالذكر هنا إن حكومة المالكي تتحمل كل الذي حدث فهي التي كانت قائمة على التفرد وإقصاء الشريك ودفعت سنة العراق إلى القبول بداعش , كما أن غياب مرجعية سنية على غرار المرجعية الدينية الشيعية كان من أهم أسباب أفول أهل السنة في العراق حيث أكثر من ثلاثة ملايين مهجر معظمهم من سنة العراق كما إن المحافظات السنية مدمرة نتيجة الحرب الدائرة لحد الآن لتحريرها من سيطرة داعش والبنية التحتية لهذه المدن أصبحت ركام , ويجب أن لا نغفل الدور السيئ الذي لعبه سياسيو السنة في حكومات مابعد الاحتلال ولحد الآن فهم لاتهمهم سوى مصالحهم ويتخبطون في لعبة السياسة ولا يعرفون
( الجُك من البُك ) في لغة السياسة , لذلك يجب أن تتولد شرارة انتفاضة للمكون السني على ساستهم لأنهم يتحملون الذي حدث منذ الاحتلال ولحد ظهور داعش سيء الصيت . كما يجب أن يتم تأسيس وبناء مرجعية دينية حكيمة تمثل السنة في العراق على غرار المرجعية الشيعية العليا تحضا بقبول واحترام المجتمع والناس وإلا فالقادم أسوء.
إن من أهم مؤشرات عدم الاستقرار في العراق هم طبقة (فاقدوا المواطنة )والمتمثلة بالنازحين وجلهم من الطائفة السنية لذلك يجب التركيز على هذه الكارثة واستيعابها بكل تفرعاتها ووضع حلول ناجعة لاحتواء أزمة فقدان المواطنة التي صارت عنوانا للنازحين كونها تمثل اللغم الأخطر على الحكومة والمجتمع فما الذي تتوقعه من شخص فقد وطنه وأرضه ومسكنه .نتمنى النصر للقوات الأمنية في معارك استعادة الأرض من شذاذ الآفاق ونتمنى من حكومة العبادي أن تنتبه للنازحين وتعالج مشاكلهم وتعيدهم إلى ديارهم وبيوتهم ومع مسحة من أمل يلوح في الأفق نقول كما قال فاضل عواد ( لابد ما الشمس تكسر وراها فياي ) .