22 نوفمبر، 2024 6:25 م
Search
Close this search box.

اللقاء الأول مع جهاز الموساد .. كان مفعما بالعاطفة والنقاشات

اللقاء الأول مع جهاز الموساد .. كان مفعما بالعاطفة والنقاشات

وصلت الى العاصمة بيروت بطريقة غير شرعية بعد ان إختنقت في سوريا السجينة في قبضة عصابة الأسد ، من هناك علمت بوصول صديقي خالد مروان الى لندن لاجئا عن طريق صديق مشترك في الأردن ، وبعد الإتصال به تهرب خالد من الإجابة في الهاتف حول كيفية وصوله الى لندن.
صدمتني بيروت ، إكتشفت انها كذبة سوقتها لنا المجلات اللبنانية التي كانت تصل الى العراق ، وان الكتاب والأدباء العرب حينما يتغزلون بجمال بيروت يريدون إقناع أنفسهم بأنهم سافروا الى مدينة جميلة وعظيمة ، ونفس الحالة تحصل عندما يفتعلون الحديث عن باريس ويتكلمون عن عوالمها ا الخارقة وإذا بهم يتحدثون عن عوالم وأمكنة عادية صورتها لهم أوهامهم وحاجتهم لتسطير قصص مفبركة عن المغامرات والرحالات والتجارب الكبيرة ، في لبنان مجتمع أكثره يعاني من الجهل لاتجد حتى من يقرأ الجرائد ، صحيح لبنان يطبع الكتب ، لكن نادرا ما تعثر على أحد يقرأ ، والمفارقة هي ان العراقيين يقرأؤون بكثرة ، بل هم أكثر من كل الشعوب العربية حبا للقراءة ، لكن مع هذا تجد الشعب العراقي لايختلف في تفكيره وسلوكه عن أي شعب أفريقي متخلف ، المثير للقرف في المجتمع اللبناني حبه الجنوني للمال ، وهذا مايجعل المشاعر الإنسانية ضئيلة جدا بين صفوفه!

هزمني الفقر والجوع ، والخوف من إلقاء القبض عليّ من قبل السلطة اللبنانية وترحيلي الى العراق بسبب دخولي غير الشرعي ، وبعد ان رفضني مكتب الأمم المتحدة للاجئين للمرة الثانية ،لم أستطع البقاء أكثر من سنة ونصف ، عدت الى سوريا ، وهذه المرة شملني الحظ السعيد برعايته وحصلت على اللجوء وسافرت الى أميركا .

صرنا نتواصل بشكل دائم أنا وخالد مروان ، وسرد لي حكايته العجيبة التي أوصلته الى لندن .. قائلا :
– (( دخلت المقهى في العاصمة الأردنية عمان ، لم أنتبه للجالسين قربي الى ان سألني الشخص المجاور لي ، هل انت عراقي ، لفت إنتباهي قوة نظراته المتفحصة ، وبمزيج من الخبرة والحدس أدركت انه شخص إستثنائي ، كنت أقابل مثله خلال عملي كبحار وأنا أتنقل بين الموانيء والمدن ، وسرعان ما إندمجنا في الحديث الذي تشعب حول العراق ، والمجتمع العربي ، والسياسية ، والدين والعدالة وحق الحياة للجميع … أبهرني الرجل بعمقه الفكري وعقله المنظم المدرب على خوض النقاشات ، شعرت به كما لو انه خُلق كي يعمل محللا إجتماعيا وسياسيا ، كانت لهجته عراقية ، وبما انني من الصعب في هذا العمر ان أرتبط بعلاقات صداقة فقد إكتفيت من البشر ولم هناك جديدا ، فلم أسأله عن حياته الشخصية وتعاملت معه على انه شخص عابر، لكنه بطريقة ودية مهذبة إستفسر مني حول حياتي وكان مستمعا متفاعلا يمنحك فرصة الحديث عن نفسك ومشاكلك )).

(( وبعد تبادل الكلام معه لمدة طويلة فاجأني بسؤال : هل تحتاج الى مساعدة ، أجبته ، نعم ولكن ما الذي تستطيع تقديمه لي ، قال : أنت ماذا تحتاج ، وبعد ان أخبرته بحاجتي للسفر الى أوربا من اجل الحصول على اللجوء وعندي مشكلة ان جواز السفر العراقي لاأحد من دول اوروبا يمنحه الفيزا ، ثم ناقشنا طرق السفر وكيفية طلب اللجوء في المطارات ، وبهدوء وثقة أخبرني بقدرته على مساعدتي ، ثم أنتظر ردة فعلي ، وبعد ان شكرته ، قال لكن لديه شرط واحد وهو ألا أسأل عن أي شي ، ولا أشكك بنواياه ، ووافقت وعقدنا إتفاق الفرسان .))

(( فاجأني بصاعقة لم أكن مستعدا لها ، إذ طلب مني زيارته في السفارة الإسرائيلية في العاصمة عمان ، وأخبرني انه يعمل هناك ، ثم أراد ان يتأكد من مشاعري سألني هل أنت مرتبك أو خائف ، أجبته بالنفي ، لكني سألته بدوري ماهي دوافعك لمساعدتي ؟ ، أجابني : مجرد خدمة إنسانية تقديرا لك ، ورددت عليه : نحن هنا خرجنا من دائرة العلاقات الشخصية ، ودخلنا في مجالات أوسع ، وأنا شخص ليس عندي شيء أقدمه الى إسرائيل ، فإبتسم وقال سيد خالد انت قدمت الكثير من الخدمات لإسرائيل ، صدمني بكلامه ، ما علاقتي بإسرائيل وعن أي خدمة يتكلم ، كان الرجل جادا ويبدو عليه الصدق وبعيد عن التذاكي … تماسكت وطلبت منه توضيحا لكلامه )) .

(( قال نحن في إسرائيل مشكلتنا مع التطرف القومي والديني وهياج الغوغاء في المجتمعات العربية التي تناصبنا العداء وتنشر أيديولوجيا الكراهية والتحريض على الحروب … ووجودك أنت كعربي مسلم بهذه الشخصية المتحررة والمستنيرة التي تخلصت من سطوة شعارات العروبة العنصرية ودعوات الإسلام التكفيرية ، ووصولك الى مرتبة الإيمان بحق إسرائيل في العيش وإعجابك بنجاحاتها ، كل هذا يعد خدمة لمصالح إسرائيل في نشر أفكار السلام والمحبة والوعي السياسي بين صفوف الناس ، لهذا أنت تستحق الإعجاب والإحترام وتقديم المساعدة لك .. ثم سألني : هل أقنعتك مبرراتي هذه ، إبتسمت وأشرت له بالموافقة ، ومد يده لي معرفا بنفسه :إسمي يوسف من يهود العراق ، وإتفقنا ان أزوره في السفارة الإسرائيلية في اليوم التالي )).

سألت خالد موران :

– (( هل شعرت بالخوف من فكرة الذهاب الى السفارة الإسرائيلية ووضعت أمامك الإحتمالات التقليدية الجاهزة لدى العقل العربي وقفز الى ذهنك العمل مع جهاز الموساد ؟))

– (( لا .. يوسف كان شخصية صادقة ومقنعة ، ثم أنا عندي خطة طواريء دائما أحملها معي ، وهي في حالة الوصول الى النقطة الحرجة في حياتي أتخذ قرار الإنتحار وتنتهي أصعب المشكلات )).

ثم أكمل خالد سرد حكايته :

– (( دخلت الى السفارة الإسرائيلية ، إستقبلني يوسف بحرارة ، ثم جلسنا في مكتبه وطلب لي القهوة ، وجاء أربعة أشخاص من زملائه للسلام عليّ وجلسوا معنا ، وأدركت انهم حضروا لرؤية هذا الكائن النادر بالنسبة لهم الذي أصبح ملحدا ، وكافرا بإنتمائه العربي والإسلامي ، وبينما كان يعيش وسط هذا الجو المعادي لإسرائيل كان له موقفا مغايرا جعله يتعرف على مزاياه وحسناتها ، وإنخرطنا في حوارات متشعبة كثيرة ، كنت أنا المتكلم وهم يطرحون الأسئلة وكانت جلسة حوار الغاية منها تكوين فكرة عن أفراد التيار العربي المتمرد من أمثالي ، وكانت فرصة لهم للتعرف على أحد أفراده لدراسة شخصيته ، وإكتشفت من بينهم من يحب الأدباء الذين أحبهم مثل : هرمان هيسه ، ريمارك ، ماركيز ، نيكوس كازنتزاكي ، فوكنر ،فلوبير ، وقرأ أحدهم مقاطع من سفر المزامير (( على أنهار بابل هناك جلسنا، بكينا … )) ، وخلال الجلسة تناولنا طعام الغداء داخل السفارة ، وإستمر اللقاء عدة ساعات ، بعدها شرح لي يوسف نوعية المساعدة التي يمكن تقديمها لي ، وهي سفري الى إسرائيل ومن هناك يستقبلني زميل له يحجز لي بجواز سفري الى بلجيكا من دون فيزا وبعدها أتدبر أمر نفسي ، وافقت على الفكرة ، لكن بقيت مشكلة عدم إمتلاك ثمن تذاكر السفر ، وحينما عرف يوسف طمأنني بعدم وجود مشكلة وأخبرني بأنه سيتم تحمل تكاليف سفري من قبلهم ، وأخذ مني جواز سفري العراقي وختم عليه فيزا إسرائيلية ))

قلت لخالد مروان :

– (( ألم تشعر بالتردد والخوف من فكرة السفر الى إسرائيل وتقع في قبضتهم هناك ؟))

أجاب:
– (( بفضل خطة الطواريء كنت متشجعا ليس عندي مشكلة إذا كان خيار الإنتحار حاضرا ، ثم حالة اليأس التي كنت فيها كانت قاتلة لم تترك لي خيار ، كنت أريد السفر والتخلص والتطهر من مستنقع العالم العربي كله وتركه الى غير رجعة ))

واصل خالد قصته :

– (( عند هبوطي في مطار تل أبيب تقدم مني شخص والقى التحية عليّ باللهجة العراقية ، وأخبرني انه حجز لي غرفة في أحد الفنادق وبعدها سيتم حجز تذكرة الطائرة ، ثم سألني هل تحب ان تقضي بعض الوقت في إسرائيل للتعرف عليها ، أعربت له عن رغبتي بإكتشاف عالم اسرائيل الحقيقي الذي غيبته الغوغائية والكراهية العربية وإعلامها التهريجي ، وبعد جولة إستمرت ثلاثة أيام بصحبة مرافقي تعرفت خلالها على معجزة إسرائيل الرائعة وسر عظمتها وكيف انهم وظفوا الدين والشعارات والأفكار لخدمة المواطن والدولة ، كان كل شيء لديهم محسوب ومنظم ولامكان للإرتجال والعشوائية ، وطوال تاريخ إسرائيل كانت إرادة القوة والتفوق والإبداع حاضرة لدى النخب السياسية والاحزاب وأفراد الشعب ، وتذكرت خرابنا في العراق وباقي الدول العربية وتأكدت ان هذه الشعوب ميؤوس منها لأنها عدوة لنفسها ، وان النجاح والإستقرار والتقدم حليف الأذكياء فقط ، غادرت الى بلجيكا وحصلت على اللجوء ثم بعدها بمدة قصيرة طلبت اللجوء في لندن )) .

أحدث المقالات