اللغة والخطاب وثقافة الاختلاف

اللغة والخطاب وثقافة الاختلاف

دفع التغيير الكبير في حقل الاتصال، الباحثين إلى إيجاد او استحداث ما يناسب هذا التغيير، سواء في الأسلوب او الصياغة او في اختزال المعنى أوفي إجراءات أخرى، جعلت لغة الإعلام مختلفة بعض الشيء عن اللغة الأم، وقد ارتبطت هذه اللغة ارتباطا قويا بالاستعمال.. وحين فرض الاعلام الرقمي سطوته وقوته الحاسمة والحاكمة، كان الواقع اللغوي يستجيب لتغيرات مهمة حصلت في بنية اللغة، وفي الدلالة على المعنى، وبدا أن التفريط ببعض مواضعاتها أمر لابد منه، وقد يبدو هذا إنذارا لمدى التحول في نظام اللغة العتيد الذي ورثناه…ولعل هذا التغيير، يسم بميسمه اللغات جميعا في أقاصي الأرض، لكن التأثير في اللغة العربية خاصة كان كبيرا وأحيانا صادما، إن هناك واقعا جديدا، تفرضه وسائل الاتصال لا يمكن تجاهله.

من الاتصال إلى التواصل

     صيغة )تفاعل(– من الصيغ الشهيرة في اللغة، وبعضهم يطلق عليها أفعل المطاوعة، ولعل استعمالها كثر مصاحبا للعالم الرقمي، وحل التواصل في مجال العلوم والدرس الجامعي فضلا عن مجا لات الاعلام والثقافة حتى الرواية اصبحت تواصلية وقد قال الكاتب الفرنسي كلود سيمون يوما :إن الرواية اكتبها وتكتبني، في إشارة الى أهمية التواصل و ادراك أبعاده ،من دون أن تكتبني الرواية فلا تواصل لها مع القراء..

     لقد ظهرت إشكالية التواصل بعد هذا التحول الذي لا يمكن إغفال أهميته وسطوعه وتأثيره في أنظمة الكلام واللغة بشكل عام بل تأثيره في مجمل التفكير البشري المعاصر ،وبرزت الى جانب ذلك ومنذ القرن الماضي مناهج السيمائية التي انبثقت من عمق اللغة ، لتشكل منطلقا فكريا ومنهجيا وفنيا يبدأ بالتواصل وينتهي به ، ويعني هذا من جهة أخرى عناية خاصة بالمجتمع ، مما يعني أنها ليست منهجا مبتكرا  ولا فكرا مبتدعا ، بل هي قديمة قدم الفكر الإنساني ..لم تأخذ السيميائية مع مثيلاتها كالتداولية ولسانيات النص مجالها في الدراسات الإعلامية خاصة ، على الرغم من انتشارها في البحوث المعاصرة، وقد وجد في التنظير النقدي اثار لها ..إذ إن النقاد تأثروا أيما تأثر بنظريات النقد الغربي والمناهج الحديثة ، وتماهت الحدود بين الدراسات النقدية واللغوية وبينها وبين الدراسات الاعلامية  ولعل السيميائية هي الموصل القوي بين هذه الحقول .

       وهي في تعريف شهير لها “دراسة العلامات المستخدمة لتحقيق التفاهم المتبادل “ (اتجاهات البحث اللساني ص351)، في اللسانيات تحتل العلامات اللغوية المكان الأول والأساسي بين علامات التواصل، أما ما يتعلق بالفلاسفة، فتشمل الدراسات السيميائية كل الإشارات التواصلية، وبهذا المعنى الفلسفي تطورت السيميائية في القرن العشرين بوصفها فرعا من فروع العلم، وهي المجال الذي تلقاه الكثير من الباحثين اللسانيين بالقبول في الآونة الأخيرة ” المصدر السابق ص351″.

     وفي الإطار السيميائي اهتمام بالشكل والتحليل المرتبط به غير أن الوقوف عند تقسيم موريس للسيميائية مهم لتوضيح القصد ، فلقد قسم موريس السيميائية على ثلاثة أفرع : المقاماتية (البرجماتية pragmatic وعلم الدلالة     و, symantic علم التراكيب syntax وما يزال هذا التقسيم مقبولا بوجه عام حتى الان ” السابق ص354″ … الأقسام الثلاثة السابقة  ترتبط بمهام وإن بدت متباينة غير أنها تشكل وحدة مفهومية ، إذ الجامع لها علاقتها بالتواصل وبالمعنى ، فالمقاماتية تتضمن دراسة وسائل الاتصال في علاقتها بالإنسان : أي ما الذي يحدث للإنسان حين يرسل أو يستقبل رسالة ما ؟وعلى أي شيء تعتمد الطريقة  التي يتم بها انجاز التواصل (على الإجمال او في كل حالة بخصوصها )؟ وإلى أي مدى يتكيف شكل التواصل تبعا لنمط الثقافة؟

       ويمكن استخلاص العلاقة بين اللغة والثقافة تجسيدا للمقاماتية، وإذ طبق الأمر في قراءة النصوص، فإن اللغة متغيرة وكذلك الثقافة، وعلى هذا فإن رؤية (موريس) السيميائية ترتبط بالتغير في نظام الفكر، وتشكل اللغة والثقافة دعامة مهمة من دعائمه. إن التحليل يطمح إلى تقديم ما هو أعمق من النقد أو حتى من مصطلح القراءة ذاته، ومن هنا مصدر الإشكالية الكبرى في تاريخ الفكر.

       وإذا كانت المناهج في الدراسات الإنسانية عامة قريبة بعضها من بعضاها الاخر، فإن المناهج الجديدة تعمل على توحيد أصولها وطرقها، لتكون صالحة لدراسة النصوص الأدبية وغير الأدبية، ولعل المثال الساطع على ذلك أن بروب في كتابه (تحليل الحكاية الخرافية) لم يكن الا دارسا للفلكلور الروسي ومحللا لحكاياته.. لكن منهجه الشكلي الفلكلوري، طبق فيما بعد في النصوص السردية، لا سيما في محاولات (كريماس) بعد اطلاعه على عمل الكاتب الروسي.

     وتوجد محاولات مهمة لتوسيع المنهج، ليناسب أنواع الدراسات وأنواع النصوص.. من النص الأدبي إلى النص الديني ومن النص التاريخي الى النص الإعلاميوهذا يدل على تغير شامل في الأسس النظرية للمناهج، كما ألمحنا الى ذلك عند السيميائيين الذين يتوسعون في مفهوم النص والتطبيقات المرافقة له.

     غير أن ما يعنينا هنا، عناية السيميائية في فروعها الثلاثة بالتواصل، فهو ظاهرة اجتماعية، لا يحدث الا في محيط اجتماعي…كما أن علاقة السيميائية بعلم الدلالة، يعطي انطباعا اوليا عن صحة ربطنا في منهجنا المقترح بين المنهج الاجتماعي وعلم الدلالة، هذا الربط الذي ذهب بنا الى القول: إن المنهج (السوسيولغوي) هو توليد من هذا الارتباط، لأنه سوف يكون شاملا لمفاهيم لغوية وأدبية وجمالية وشكلية، يحتويها علم الدلالة وعلم اللغة..

     ولا نجد انفصالا بين الاثنين.. فعلم الدلالة جزء مهم من علم اللغة وكذلك علم الأسلوب، وإن الربط السيميائييمكن أن يمثل هذه الفروع جميعا، وهو لابد أن يكون ملبيا للحاجة الفعلية المعاصرة، التي ظهرت بعد التوسع في وسائل الاتصال.. والتحول الخطير والهائل الذي حصل في نظم الكتابة والخطابات القولية والشفهية، كما اختلفت طرائق النشر باختلاف الوسائل الإعلامية. وعودة إلى بروب وتحليل الحكاية الخرافية، فإن المنهج الشكلي الذي عاينه وحلل بموجبه حكاياته، قد تغير في التطبيق اللاحق، فالبعد الاجتماعي الذي غاب عن تحليل بروب، قد أعيد إليه بعض الاعتبار فيما بعد، على الرغم من أنه لم يجانب هذا البعد الاجتماعي نهائيا ” لقد طبق كريماس المنهج على الأسطورة مستفيدا من النظرية السيميولوجية لعلم الأساطير.. التي ترى أن أية محاولة لفهم الأسطورة وتفسيرها، لا يمكن أن تتم فقط باكتشاف الملامح الكلية لها، كالوظائف والاختبارات والخصائص الأخرى للبطل، وإنما أيضا بتعليل الدوافع لمثل تلك الوظائف وعلاقة بعضها ببعضها الاخر. وبعبارة أخرى لا بد ان يقترن تحليل شكل الأسطورة بدراسة المجتمع الذي أبدعها “(مورفولوجيا الحكاية الخرافية ص 21).

     لقد قلص كريماس الوظائف الى عشرين وظيفة فقط، فقد اعتنى بالرسالة المراد ايصالها الى الجمهور، وهذا يعني أن أشهر مطبقي منهج بروب، يعود ثانية إلى المجتمع في مجافاة وبعد عن المنهج الشكلي.

     وقد يكون ذلك مسوغا لحماسة ما تدعو مجددا إلى نظرية مقترحة في مقاربة النصوص، طرفاها اللغة والمجتمع، فاللغة من أهم صفات الكائن الإنساني، والارتباط بين الاثنين هو الذي يميز هذه الطريقة في البحث، بهذين البعدين يتشكل فهم لا يفرط بالانجاز النقدي والفلسفي لما بعد الحداثة، بقدر ما يفيد من هذا الجهد باتجاه حركة نقدية معاصرة، تجد في هذا التكوين مجالا حيويا في اتساعه وتحديد أصوله ومجالات اشتغاله في اكتشاف النصوص وإبراز قيمتها.

     إن الحديث عن المنهج السوسيو لغوي ، ليس عودة ميتافيزيقية للواقعية الاجتماعية ، أو ربط النص بالمجتمع  عن طريق الأثر والتأثير أو الانعكاس ، وقد يكون هذا منسجما و التغيير المتسارع في المفاهيم ، بعد نقد الخطاب الثقافي والإعلامي مما يدل على  تغير أساسي في مفهوم النظرية الاجتماعية ” فهناك تحول جذري  (راديكالي) في النظرية الاجتماعية  المعاصرة ، كان نتيجة للحقيقة التكنولوجية التي تغير معها الخطاب  ، وحلت الوسيلة محل الرسالة ، مما غير لغة الأشياء وبدل الواقع الذهني والذوقي الذي كنا  نألفه إلى واقع اخر ، أهم سماته ، أنه غير واضح وغير مستقر(النقد الثقافي ص 28).. يأتي هذا التحول والتبدل في إطار ثقافة الوسائل التي بدت مقبولة وحيوية، مما دفعنا الى طرح نظرتنا في المنهج مستفيدين من هذا التغيير الذي يدفع إلى التفاعل، بكل ما تعني فيه هذه المفردة من معان …وهي تتشكل في إطار شراكة الاخر في الخطاب الثقافي …. نظرةانطلق منها (فنسنت ليتش) مسميا مشروعه النقدي بالنقد الثقافي.

الأنساق المضمرة في التفكير البلاغي:

    يعتني البحث البلاغي المعاصر كثيرا بالأنساق المضمرة ، فالأساس في النص هو المضمر ،أما الظاهر فهو معطى سطحي ، له وظيفة ثانوية في النص هي الوصول الى النص المضمر ،وقد اعتنت لسانيات النص بالمضمر مثل التداولية والحجاج و السيميائية وبعض النظريات النقدية مثل نظرية استجابة القارئ، ونشير بوجه خاص الى الحجاج ” ..إن فجوات القراءة، هي تلك التي يضعها المحاجج في النص ، والغرض هو ملء فجوات القراءة ، وندخل هنا في بعض اليات التأويل ، فالمعنى المضمر ، هو في النصوص العالية وفي بعض النصوص التاريخية والأدبية والإعلامية ، والمعنى التأويلي هو معنى مضمر ، تستخرجه القراءة ،ولكن أين يقع المضمر في لسانيات النص ؟ هل هو في العلاقة الوثيقة بين الخطاب والجدل؟ هل هو في السلم الحجاجي؟ هل هو في مطلق اللغة؟ كل هذه الأسئلة مهمة للوصول الى هذا المضمر، وقبل الإجابة عن هذه الأسئلة لا بد من الإشارة إلى مصطلحين : هما الحضور والغياب في النص ، فالحضور هو ظاهر النص والغياب هو المضمر ، على الرغم من أن المعنى الفلسفي لهما مختلف ..يلاحظ القرب الشديد بين لسانيات النص ونظرية التلقي ، ففي النصوص المعتبرة يلجأ الكاتب إلى مقاومة سهولة التلقي ، لأن هذه السهولة تطيح بهيبة النص ..والمعنى والدلالة لا يمكن لهما أن يرسخا في ذاكرة المتلقي ، إلا بهذه الصورة التي تعتمد على عنصري الحضور والغياب ، لكنهما قديمان قدم أرسطو ،وقدم الفكر المعاصر توجد تصورات جديدة عن هذه الثنائية … أفكار أرسطو كانت حول استراتيجيتين، أولهما الإخفاء ويكون مصدرها المحاججة، وتعتمد الثانية على إظهار المضمر وتصدر عن القارئ ، المتلقي الذي يعمل بواسطة اليات معينة على وعي المخفي بطريقة تتلاءم مع المسلك الحجاجي، تنتظم هذه الثنائية مع ثنائيات علم اللغة الحديث واللسانيات ، أي أن النص الظاهر طريق لمعرفة النص الغائب ، ويقترب من ذلك تشومسكي في البنية السطحية والبنية العميقة ..إذ الظاهر دليل على المتخفي .

     لامست الظاهراتية ذلك، كما اقترب منه أفلاطون من قبل، فالنص الظاهر ملموس ودون ذلك المتخفي.. الفكر والحقيقة قضيتان مجردتان، كلما ابتعدنا عن الملموس قاربنا الحقيقة، وهذه فكرة تتصل بنظرية أفلاطون في المثل، التي تجعل عالم المحسوسات ليس سوى مثيروتذكير بالعالم الاخر الغائب.. و سنجد هذه الفكرة في بعض معانيها عند أعضاء الهرمونطيقا الظاهراتية، أي البحث عن الدلالات والمعاني الثاوية بعيدا خلف السطور.

    تعددت التسميات والمضمون واحد. نص غائب ونص متخف، نص مضمر ونص مسكوت عنه، ويكاد يلتقي مع هذه المسميات نص موحى به، والايحاء قريب من الإضمار ،وكل هذه المفاهيم تحتاج الى تأهيل مفاهيمي ولاسيما بارتباطها  بالقصد والسياق ، وهما عماد النظريات الحديثة كالتداولية ..ولابد في حضرة النص الغائب أن يكون للحجاج مثلا إضماره الخاص.. لكن الإضمار يتدرج من الجمل البسيطة الى الجمل المعقدة.. إن الجملة مهما كانت ، لابد أن تحتوي على إضمار ما ، ففي جملة : ذهبت الى التنزه  هذا اليوم ، على بساطتها فيها إضمار  لكننا في الإضمار  الإعلامي والادبي  سنصل الى مستويات عالية منه .

المحكية والعالم الرقمي:

     المحكية ترافق كل اللغات بلا استثناء، فهنالك اللغة العالية او لغة الادب وهنالك المحكية التي يتداول بها الناس عادة وتوجد لغة وسطى بين الاثنين هي لغة الاعلام وأصبحت هذه الوسطى مشكلة في البحث الأكاديمي..اين نجدها؟ هل في الكتابة ام في الاستعمال. اننا نفكر بالمحكية ونكتب بالفصيحة، كان الجاحظ قبلا يكتب بهذه الوسيطة وكذلك فعل أبو حيان التوحيدي ولعل خطاب ألفليلة وليلة مثال واضح كان ينحو أحيانا نحو المحكية بسبب طبيعة الحكي الذي هو قوام الليالي …. كانت المحكية تشكل تحديا للغة لكن العالم الرقمي فاقم المشكلة بل قلبها راسا على عقب. لقد وجد تغيير كبير في الاداءاللغوي, والمواقع الشخصية لا تكاد تتحدث الفصيحة وتحسبها عيبا, و لابد من الحديث بالمحكية فهي اكثر ايصالا و اقل عناء ..اول انتهاك كبير حصل في بنية اللغة العربية هو تحويلها من لغة معربة الى لغة مبنية.

     وقد يعتقد ان الإعراب ليس مشكلة العربية بل هو إشكالها، فهو يضع حروفا خارج البناء المعروف عادة للكلمة، اما البناء فإن كل الحروف داخل اللغة ولا يوجد حرف خارجها الا نادرا كما هو الحال في اللغة الإنكليزية.

     التغيير الذي حصل في العقود الأخيرة كان حاسما لقد قلل من استعمال اللغة واستبدل الكلام بالصمت بمعنى ان هناك استعمالا اقل للغة في المعاملات اليومية بسبب التقنية الجديدة اذ تنجز المعاملات اليومية بلا استعمال للكلام، تدخل السوق وتشتري ما تشاء دون ان تنبس ببنت شفة، لان السعر مثبت وتدفع الثمن بالبطاقة الشخصية التي لديك.

     وهذا الاستعمال لا مفر منه لأنه ينسجم مع طبيعة العصر و قد تشتري بضاعة وتدفع سعرها من دون ان ترى البائع بطريقة الثقة بالزبون في بعض المحلات و تصلك الى الدار بتطبيق الكتروني معين, بضع كلمات مكتوبة او مرسلة صوتيا.. حاصرت اللغة هنا الرموز الالكترونية وكذلك الصور والإعلانات فحلت هذه محل الكلمات، وليس ثمة اكثر من الإعلان دلالة و موضوعا واصبح الاعلان قبل البضاعة وتحليل الإعلانات الكبيرة ميزة أدبية كما فعل رولان بارت في بعض الإعلانات، هي دعوة مبكرة للأدب ليعطي بعض مهامه للإعلان وللصور.

     ((تنوب عن اللغة في فضاء التداول رموز الصور و الكتابة, يعني ذلك ان الممارسة اللغوية الفصيحة (تداول الكلام) اخذ بالنضوب, لتحل محله الرموز التعبيرية كما يحدث في النظام الاشاري بلغة المرور واللغات المحكية (اللهجات) واللغات المهاجمة (اللغات المصدرة للسلع المادية و المعرفية) لتنوء طبقة الفصيحة تحت ضغط طبقات أخرى مما يؤدي الى تسرب عناصرها وتراكيبها)) (مناهج اللغة والادب ص8).

     المقتبس السابق لا يبالغ حين يشير الى خطر تسرب بناء اللغة الذي بنيناه وعرفناه و لعل الترجمة من اللغات الأخرى الإنكليزية و الفرنسية كان له هذا الأثر منذ زمن بعيد و لكن ما الذي حدث الان لتكون المشكلة اكبر واكثر تحديا.. يتعلق الامر باللغة الإنكليزية لدى الشباب و صغيري السن وهذا و ان كان غير محسوس لكنه طاغ على نحو واضح ف الإنكليزية لغة الحضارة والتقنية و من يمتلكها يمتلك القدرة على التفاهم مع الاقوام الكثيرة, يذكرنا ذلك بالشاعر العراقي جميل صدقي الزهاوي فهو وان كان يكتب شعره بالعربية السليمة و يحافظ على معمارها غير انه تواق للإنكليزية منذ بداية القرن  فهي لغة الاختراع من القاطرة الى السيارة الى التلفون ثم الكهرباء وأي خير يرتجى من لغة لا تخترع شيئا و أهلها نيام حتى أفول الصباح.

     لكن ما يقف بوجه هذا الازدراء للغة معمارها العظيم و تاريخها و ارتباطها بالدين اما الان فقد اصبح التحلل من قواعد اللغة ومن قدم هذه القواعد وتعقيدها امرا لا مفر منه من دون ان يرافقها الصوت او الاستعمال و بهذا الجو الجديد بدت حركة التصحيح اللغوي لا معنى لها,  تصحح الأخطاء لا لكي يتجاوزها الكاتب بل لكي يكررها كل مرة و من امثلة تسرب التراكيب (التاثير في الشيء) يتحول الى التاثير على الشيء احتذاء بالتركيب الإنكليزي.. (His words had a strong effect on me)

     كان لكلماته تاثير قوي علي و تقوم اللغات المحكية الاختزالية بانفكاك بنيوي عن الفصيحة و ليس بانفكاك على مستوى العناصر, الخطورة تزداد حين ننظر في تدفق المصطلحات التي ينتج عنها زعزعة المفاهيم التي تؤثر في أنماط الفكر لدينا ولهذا أسباب موضوعية لا علاقة له  بصراع اللغات بل له علاقة بوضعنا في موقع الحضارة, فنحن نحتل موقع المستهلك الذي يستورد الالة مع اسمها.ناهج اللغة والادب ص9.)  من الإشارات البدهية،أ ن الكلمات الجديدة والصيغ الجديدة ، يصنعها الإعلام ، وهذه المواضعة الفكرية أصبحت أكثر رسوخا بعد الثورة الرقمية ، فقد ضعفت سلطة المجامع اللغوية عن ملاحقة الجديد ، فأصبحت أجهزة الإعلام ، هي التي تقود المجامع اللغوية ..توسعت أجهزة الإعلام في الأقيسة ..مثل توليد أفعال على وزن فعل أو فوعل أو فعلن مثل تعذيب مياه البحر ،تبوير الأرض الزراعية والعوربة،والإكثار من صوغ المصدر الصناعي من الأسماء الجامدة والمشتقة مثل الدونية  الاحقية ..وجمع الجمع مثل نفوط أقماح السحوبات وغير ذلك كثير يبقى ان وصف الظاهرة ليس طريقا سليما دائما، لابد من جهد مؤسسي وهو ليس في متناول اليد .

المصادر

1- مناهج اللغة والادب مجموعة بحوث صدرت عن جامعة الامام الكاظم عن مؤتمر مناهج اللغة العربية.2023
2- عبد الله محمد الغذامي, النقد الثقافي قراءة في الأنساق الثقافية العربية، المركز الثقافي العربي.
3- النقد واللسانيات محمد رضا مبارك.دار أمل الجديدة دمشق 2019

4- ميلكا افيتش, اتجاهات البحث اللساني, ترجمة سعد عبدالعزيز مصلوح, المجلس الأعلى للثقافة, المشروع القومي للترجمة في جمهورية مصر العربية.
5- مورفولوجيا الحكاية الخرافية ترجمة أبو بكر احمد باقادر, النادي الثقافي الادبي في جدة 1989.