اللغة ليست مأتماً

اللغة ليست مأتماً

في زمنٍ تتسارع فيه الوسائط، وتتشكل فيه الذائقة على وقع المؤثرات، برزت ظاهرة مقلقة على منصات التواصل الاجتماعي وهي قيام بعض المحسوبين على التعليم بتلقين دروس القراءة العربية بأسلوبٍ مأخوذ من المراثي، وكأنّ اللغة لا تُفهم إلا بالبكاء، ولا تُحب إلا بالندب.
إنّ هذه الطريقة، وإن بدت للبعض مؤثرة أو جذابة، إلا أنها تُفرغ اللغة من روحها، وتُلبسها ثوب الحزن في غير مقامه.
فالقراءة ليست نحيباً، بل هي فنٌّ حيٌّ يُغذّي العقل، ويُهذّب الذوق، ويُقيم الحروف على سوقها، لا يُجرّها على وجوهها.
إنّ في تحويل القراءة إلى نحيبٍ، وفي تلقين اللغة على هيئة ندبٍ، إساءةً مزدوجة: للغة أولاً، وللذائقة ثانياً.
فالقراءة ليست مأتماً، والبيان ليس مأساة.
إنّها فنٌّ حيّ، يُغذّي العقل، ويهذب النفس، ويُقيم الحروف على سوقها، لا يُجرّها على وجوهها.
إنّ الطريقة المراثية، وإن كانت مشروعة في مقام الحزن، فإنّها لا تصلح أن تكون قالباً تعليمياً، ولا وسيلة لغرس حبّ العربية في قلوب الناشئة، بل هي تُنفّر، وتُشوّه، وتُلبس اللغة ثوباً ليس لها، فتبدو كأنّها
لا تُطاق، ولا تُحتمل، ولا تُقرأ إلا بالبكاء.
ثم إنّ في ذلك خلطاً بين المقامات، وتعدّياً على جماليات الأداء، فلكل مقام مقال، ولكل فنٍّ أدواته.
ومن يُعلّم القراءة كما يُرتّل الرثاء، يُفسد الذوق، ويُربك الفهم، ويُطفئ نور البيان.
فيا من تُحبّ العربية، علّمها كما تُحبّها: نقيّة، رشيقة، حيّة، لا كما يُراد لها أن تكون: باكية، مُنهكة، مُشوّهة.

أحدث المقالات

أحدث المقالات