عبر مئات من السنين تعرض العراق الى غزوات وحروب وفتن مصدرها خارجي، وإحتلالات من دول كبرى بعيدة وقريبة كانت كلها تذهب الى سجلات التاريخ لتحفظ، لكنها لم تتمكن من قهر العراق كدولة حضارية عظيمة متفق من دول عدة على ضرورة تدميرها، وإلحاقها بدول أخرى كحديقة خلفية، أوكتابع ذليل ومستصغر لاقيمة، ولاوجود له، ولاتأثير إلا في ظل التابعية لهذا المشروع وذاك، دون تغافل إندفاع عراقيين كثر للإنغماس في مثل هذه المشاريع كموظفين أذلاء يطويهم التاريخ، ثم يعود العراق الى هيبته ووجوده وتأثيره.
لم يمارس العرب دور المحتل مع العراق كبريطانيا، أوتركيا، أوأمريكا، وغيرها من بلدان كانت تذل وتهان على الطريقة العراقية، ثم تغادرغيرمأسوف عليها، وكان العرب في الغالب مايزالون رغم غيرة بعضهم منه، ومن وجوده الحضاري الضارب في عمق التاريخ يحاولون التقرب منه، والإنتفاع من قدراته التي وصفها الأسلاف بأوصاف تليق بهذا البلد ورجالاته، فهو رمح العرب، وهو بلد الرجال الرافضين للذل والهوان والثائرين والمتمردين والناقمين على العبودية، ويكفيه فخرا أن المسلمين إختاروه كمنطلق لفتح الشرق، ونشر الإسلام في أقاصي الأرض كما إن عليا إبن أبي طالب إختاره ليكون عاصمة الدولة العربية الإسلامية في الكوفة، ثم إختاره خلفاء بني العباس ليكون عاصمة العالم التي هي بغداد.
يتحرك العراق اليوم في مساحة مفتوحة، وممكنة من العلاقات الثنائية مع دول عربية وأجنبية، وربما من المفيد التحرك أكثر نحو علاقات متعددة، ومحاورإقتصادية، والتخلص من طريقة العمل بالوكالة والتابعية، وبناء دولة مؤسسات حرة تحتفظ بعلاقات مع الجميع، ونفي كل رغبة لدى أي دولة بتحجيم تحركات بغداد، وربطها بمحورعربي، أوإقليمي يعطلها، ويمنع تحقيق مكاسب لها، وأن يكون العراق مع الجميع، وليس ضد أحد، ولاأداة بيد أحد، ومثلما يرفض الحصار على إيران فيجب أن ينفتح على دول في الخليج والمنطقة العربية عموما والغرب كذلك. فالتخلف ليس من شيمتنا، والتردي والفساد والإنهيار الإقتصادي لايليق بنا، وإذا ماإستجابت بغداد لضغوط من دول عربية، أوإقليمية لتحجيم تحركاتها وعلاقاتها بالطريقة التي تريد، فهذا يعني أنها عاصمة لبلد لاسيادة له، ولاقرار وطني مستقل، وإن من يحكمهم أشخاص موظفون ومنفذون لأجندات ويستحقون وصف العملاء.
سيكون لعامل اللغة دورمهم في ترسيخ حماية العراق من التحول الى دولة هامشية، فاللغة العربية برغم ماتعرضت له من إنتكاسات لكنها حافظت على وجودها في تمتين العلاقة مع العرب، بينما إستفاد منها غير العرب للتواصل مع الدين الإسلامي بوصفها أداة التمكين الأولى، كما إن غير العرب كشعوب ينفرون من العرب والعراقيين، ولديهم رغبة في الإحتفاظ بخصوصيتهم، ويخشون من وجود العراقيين كعامل تأثيرسلبي على نقاء الحضارة التي يحاولون الحفاظ عليها، والإنتصار بها، ولهذا فإن التواصل السياسي والإقتصادي والثقافي مع العرب يمكن أن يحقق نتائج إيجابية سريعة خاصة وإن الدول العربية المؤثرة يمكن أن تكون الواسطة بين بغداد والغرب، ويكفي ماخسرناه في الماضي، ويكفي إنتظارمالايأتي أبدا، فالعرب يهابوننا، ويحتاجون إلينا، ويمكن أن نستغلهم، وغير العرب يرون فينا أتباعا وأدوات، وينفرون منا، ولايريدون أن نؤثر في نقاء حضارتهم العظيمة كمايرونها..