ما بين سياسة الشد والجذب التي بدأت تتضح معالمها على الساحة السياسية العراقية يتأمل الكثير من العراقيين ان هناك تغييرا حقيقيا سيحدث خلال الفترة القادمة ،وكعادتنا نحن في العراق غالبا ما ننقسم الى قسمين قسم يؤيد الحدث وآخر يعارضه ولكن في هذه المرة ظهرت عدة قوى لربما كانت خاملة وفي فترة سبات ولكنها ظهرت وبشكل جلي من خلال وسائل التواصل الاجتماعي فكثرة الفيديوهات التي تبث على هذه الوسائل -التي باتت هي الصحافة المقروءة والمسموعة – نسمع من خلالها الكثير من القسم الثالث الذي بدا نشيطا ومتوثب للانقضاض على العملية السياسية وطرح نفسه كبديل عما هو موجود ،ولكن هذا البديل ايضا غير مرغوب فيه لتجربته السابقة في الحكم ومفاهيمه السياسية التي خبرناها خلال عقود من الزمن التي اطاحت بأحلام العراقيين بالعيش الهانئ والكريم .
ان صعود الكاظمي لرئاسة الوزراء لم يكن وليد الصدفة كما حدث في المرات السابقة ،فالمتتبع للعملية السياسية وطريقة اختيار المرشح للفترة الانتقالية لم يكن تقليديا حيث تم ترشيح الكثير من الاسماء في سبيل ازاحة السيد الكاظمي كمرشح جاهز ولكن موقف رئيس الجمهورية كان واضحا وثابتا منذ البداية حول الاسماء التي تم ترشيحها فهو قد رفض كل الاسماء التي يعتقد انها موالية لإيران. فمنذ البداية كانت الانظار تتجه نحو الكاظمي كمرشح وسط للاحزاب يمثل مطالب المتظاهرين ،ولكن الخلاف الذي اثارته قيادات حزب الله واتهامهم الصريح للسيد الكاظمي في الكثير من القضايا ومنها اغتيال سليماني جعل رئيس الجمهورية (برهم صالح ) يتريث بطرح اسمه ومن ثم مجيء شمخاني كوسيط بين الاطراف الشيعية واجراء المصالحة بين الكاظمي وبقية القيادات التي اتهمته بمقتل سليماني .
من هو الحاكم الفعلي ؟
ان خطة السيد برهم صالح بطرح اسماء اكثر خطورة من الكاظمي اثار حفيظة الكتل الشيعية الاسلامية منها والعلمانية –اذا حسبنا السيد اياد علاوي على الكتل الشيعية –فشخص مثل محمد توفيق علاوي اكتسب خبرة في ادارة الدولة من خلال استيزاره لمرتين واطلاعه على اللعبة السياسية بكل تفاصيلها كان خطرا ومجازفة لم تكن الاحزاب الكردية والسنية والشيعية لتقبل به فهو على ثقة بأنهم سيرفضونه لأسباب لم يسعنا المقام في ذكرها، وكذلك المرشح الثاني الذي بدا اكثر خطورة من المرشح الاول لسببين الاول هو قوته كمرشح ومعرفته بالأخذ بأسباب النجاح في ادارة امور الدولة من خلال طرحه مشروع اقتصادي واعد ومتكامل وسهولة تطبيقه، والثاني هو كونه محسوب على الطرف الامريكي وجرأته في تنفيذ القانون ،وهذا ما ارعب الكثير من الاطراف السياسية ليس الشيعية فقط انما الكردية والسنية فالجميع في مركب واحد ،ومن ثم استمر مسلسل الترشيح يتساقط امام رفض صالح لمرشحي الاحزاب الشيعية حتى اعادوا الكرّة على ترشيح الكاظمي ،فهو لم يترك لهم الخيار في ذلك ووضعهم في زاوية على طريقة (تريد ارنب تأخذ ارنب تريد غزال تأخذ ارنب ) .وعليه يتضح ان الكاظمي كان مرشح صالح القوي منذ البداية وفرضه على الاحزاب الشيعية ،كما ان الاحزاب الشيعية اتهمت في وقت سابق على لسان (قيس الخزعلي) احدى الرئاسات الثلاثة بالانقلاب على العملية السياسية وهذا يعني انهم على معرفة تامة بما سيحصل ،وحاولوا بشتى الطرق ابعاد الكاظمي عن المسرح السياسي دون جدوى فصالح قد فرض الكاظمي عليهم بالقوة وهذا امر يجب الاعتراف به . ومن يفرض مرشحه على جميع الكتل يعني انه ممسك بخيوط اللعبة جميعها وانه هو الحاكم الفعلي للبلاد دون منازع .
الاحزاب الشيعية والمصير المجهول
ان هذه القوة التي تصرف بها برهم صالح لم تأتي من فراغ ولا من خلال اعتماده على التحالف الكردستاني ومساندته له فالتحالف الكردستاني حاول اسقاطه عدة مرات ولكنه نجح في كبح جماح الاحزاب الكردية وتهدئتها، لقد تحرك الرئيس بدعم امريكي مطلق وتم ذلك عند لقاءه الرئيس الامريكي الاخير في دافوس وحصوله على تطمينات كافية لقيادة المرحلة القادمة للتغيير الناعم في العراق.
اذن اختيار الرئيس برهم صالح للكاظمي هو بداية لمرحلة جديدة ليشكل هذا الثنائي المتناغم بالتوجهات محورا جديدا لقيادتها ،ومن ضمن اولويات هذه المرحلة هي عملية قلب الطاولة على جميع الاحزاب ،وستصبح الموالية منها لإيران وخصوصا الاحزاب الشيعية هي الحلقة الاضعف لصعوبة تحول ولائها بنفس السلاسة التي تتمكن فيها الاحزاب الكردية والسنية من التنصل عن التزاماتها تجاه ايران .
قد تتسبب هذه العملية في ازاحة السلطة التنفيذية من يد الاحزاب الشيعية الحالية ولكنها سوف لن تذهب بعيدا فالشارع الشيعي معروف بحراكه الوطني وسينتج احزابا اكثر وطنية وولاءً للعراق فهم من يقود الحراك منذ اكتوبر 2019 وهم من اسقط حكومة عبد المهدي بعد ان قدموا اكثر من 1000 شهيد وثلاثون الف جريح منهم 6000 اعاقة دائمة .
الحوار الامريكي العراقي
الحكومة العراقية الجديدة برئاسة مصطفى الكاظمي
في العاشر من حزيران وكما هو مقرر انطلق وعبر دائرة مغلقة الحوار العراقي الامريكي وهذا كان مجرد اعادة النظر بالعلاقات الامريكية العراقي وكان الجانب الامريكي قد اعد سلفا قائمة بما مطلوب من الجانب العراقي تنفيذه خلال المرحلة القادمة .
لقد ركز الجانب الامريكي في الحوار على عدة مواضيع والاهم منها كان قضية انهاء التواجد الايراني في العراق وبأسرع وقت ممكن وبخلافه سيبقى العراق دولة معاقة سياسيا غير قادرة على النهوض بمتطلبات شعبها ووعد الامريكان في حالة تنفيذ ما مطلوب من الحكومة العراقية تقديم المساعدات الامنية و الاقتصادية والاستشارية في الجانب الاقتصادي والفني ،هكذا انتهى الحوار الامريكي بنقاط واملاءات امريكية على الحكومة العراقية تنفيذها ،وتم التمهيد للقاء ثان في واشطن اثناء زيارة الكاظمي المرتقبة لها .
من جانب اخر دعت ايران الاحزاب الموالية لها للاجتماع في طهران لإعادة ترتيب اوراق اللعبة والتي بدت واضحة ان الخسارة التي ستمنى بها ستكون كبيرة فالخلافات التي عصفت في البيت الشيعي بعد مقتل سليماني كانت مؤثرة حيث لم يتمكن قااني من ملئ الفراغ الذي سببه مقتل سليماني والمهندس ،لم يرشح عن الاجتماع أي شيء الذي عقد وسط تكهنات كثيرة منها قيام الاحزاب الشيعية بإقامة تحالف برلماني لغرض اسقاط حكومة الكاظمي وستجد من يستمع لها في الجانب الكردي ،ولكن تبقى المفاجآت السياسية الغير متوقعة هي التي تحسم المواقف .