22 ديسمبر، 2024 10:23 م

اللعب على المتناقضات في رواية (المدعو صدام حسين فرحان) للروائي خضيّر فليّح الزيّدي

اللعب على المتناقضات في رواية (المدعو صدام حسين فرحان) للروائي خضيّر فليّح الزيّدي

ينّسج الروائي خضيّر فليّح الزيّدي خيوط روايته الموسومة بـ (المدعو صدام حسين فرحان) من حكايةٍ واقعيةٍ، ممكنة الوقوع في الحياة العراقية المغرقة في الغرائبية، والسريالية، والسوداوية، المبكية، المضحكة !
وهو يتقن اللعب على تناقضات هذا الواقع، وأحداثه التي تفوق الخيال في الكثير من الأحداث.
يثير عنوان هذه الرواية الدهشة، والفضول، وقد جاءت في ٢٦٨ صفحة من القطع المتوسط وصدرت عن ( دار سطور للنشر والتوزيع ) في بغداد ٢٠١٩ م ، كما يفتح العنوان الشهية لتداعيات متاعبٍ محتملةٍ من جراء تشابه اسم البطل المحوري (صدام حسين فرحان) مع اسم الرئيس العراقي، فمن المفارقات أنَّ بطل الرواية يساري الفكر، لكنَّه غير منتمٍ لأيّ حزبٍ على العكس من انتماء أبيه (حسين فرحان) الرفيق المخلص في حزب البعث.
يلقى (البطل/ الضحية) صدام حسين فرحان معلم درس التربية الفنية الكثير من المتاعب والاحتفاء جراء اسمه من المناوئين للرئيس، والموالين له ! لكنَّ موهبته الفنية تخدمه في رسم جداريات للقائد الضرورة في الوحدة العسكرية التي يؤدي فيها الخدمة الإلزامية !
فيا له من صراعٍ ، و ازدواجيةٍ أنْ تكن الكراهية لطاغيةٍ تحمل اسمه، وترسم صورته !
لكنَّ الاسم ليس مضراً دائماً بل يكون جواز مرورٍ له في بعض المعاملات الرسمية اتقاءً لشره ، إلا أنَّه يواجه متاعب، وتهديداً بالقتل بعد التغيّير النيّساني في العراق سنة ٢٠٠٣ مما يضطر إلى السفر الى عَمّان، إذ يلجأ إليها العراقيون الفارون من تداعيات سقوط النظام.
وتستمر معاناته مع اسمه حيث يكثر رجالات النظام السابق الفارين من الانتقام، ويفاجأ وهو في عَمّان بأنَّ الهاربين من الملاحقة الشعبية، والقضائية يعرفون عنه أكثر مما يعرف عن نفسه و يشفع له اسمه في النجاة من خطر التصفية، بل يُطلب منه رسم صورةٍ للقائد !
وحين يقرر صدام حسين فرحان العودة إلى بلده تستوقفه سيطرةٌ وهميةٌ، لكنَّ الملثمين القتلة يستثنونه من القتل اكراماً لاسمه ! في حين لم يستثنوا رفيقه الذي كان يعمل طباخاً للرئيس من رصاصهم بدعوى أنَّه على غير دين الإسلام !
يرى الكاتب أنَّ الأسماء كالأقدار تتحكم في مصائر أصحابها إلا أنَّ هذا الاستنتاج لا ينطبق على الشخصية المحورية الثانية الموازية للشخصية المحورية الأولى ألا وهي شخصية (عبد الكريم قاسم الحيالي) الذي يحمل أيضاً اسماً شبيهاً بالزعيم عبد الكريم قاسم، وهو موظفٌ سابقٌ في وزارة الخارجية العراقية، منتمٍ بإيمانٍ إلى حزب البعث، ويُخفي انتماءه هذا بعد سقوط النظام سنة ٢٠٠٣ م، كما يُخفي الصورة التي تجمعه بالدكتاتور في غرفة الاستقبال حتى آخر الرواية.
أما عن نقطة الالتقاء بين الشخصيتين المتناقضتين (صدام حسين فرحان، وعبد الكريم قاسم) فتكون بطريقةٍ طريفةٍ، إذ يعمد عبد الكريم إلى كتابة رقم هاتفه على عملة الألف دينار، ويدفعها الى السوق ليجري تداولها فيما بعد فتقع بيد صدام حسين فرحان الذي يتصل بصاحب الرقم عبد الكريم قاسم المتقاعد الذي يعيش وحيداً بعد وفاة زوجته، ويرغب بوجود شخصٍ يستمع إليه، فيحصل اللقاء بين الشخصين اللذين ليس لهما سوى اجترار الذكريات !
ومن الواضح أنَّ اسم الشخصية الرئيسة هو محور الرواية.. يقول صدام حسين فرحان : (عشت فترةً طويلةً في أيام حكم الرئيس/ شقيق الاسم، مستفِزاً بكسر الفاء ومستفَزا بفتحها أينما ذهبتُ، حتى أصبحت مشهوراً كالرئيس، بل علامة فارقة أينما حللت إذا حضرت مراسيم عزاء لمتوفٍ ما، أسمع بأذني همسهم بالقول: جاء المدعو عليه) ص ٧٧ .
ويورد الكاتب إحصائيةً بشأن الاسم في سجلات وزارة الداخلية العراقية فهناك أكثر من (١٢٠٠) عراقي باسم صدام و(٤٥٦) شخصاً يحملون اسم صدام حسين !!
على صعيد السرد يُمكن القول : إنَّ الرواية مريحةٌ للقارىء، وأسلوبها ممتعٌ يغلب عليها طابع الحوار والطرافة، والسلاسة، وليست فيها شخصياتٌ كثيرةٌ، وقد قدَّم الكاتب صورةً قريبةً مما يحدث في العراق أدان فيها الانتهازية، والاستهتار بقيمة الإنسان حتى خارج البلد إذ تُلاحق المهاجر سيرته في بلده فلا ينجو من (أهل الشوارب) الذين تكون شواربهم رمزاً للقومية مقابل (أهل اللحى) الذين يرمزون الى الاسلاميين، ولا من التهم الجاهزة بعد ٢٠٠٣ من قبيل (عميل) أو (محتل) أو (جاسوس) أو (جاء على ظهر الدبابة الأمريكية )!

*رواية (المدعو صدام حسين فرحان) للروائيّ خضيّر فليّح الزيدي، الطبعة الأولى ٢٠١٩ (دار سطور للنشر والتوزيع ـ بغداد) /عدد صفحات الرواية ٢٦٨ صفحة من القطع المتوسط.