18 ديسمبر، 2024 7:47 م

اللعبة السياسية ليس كأي لعبة

اللعبة السياسية ليس كأي لعبة

كثير منا يدخل المعترك السياسي وهذا المعرتك يتكون من العديد من المجالات والدهاليز المعتمة لا يعرفها الا من عرف كيفية ممارستها ولذا فمن الحكمة أن يتصدى لها أناس مخلصون ومقتدرون ويتمتعون بذكاء معين ، يعرفون كيفية التصرف السياسي السليم ، ويختارون أحسن الأوقات لتنفيذها ، ولا يغيب عن حدسهم وفكرهم تقدير المآلات ، وبناء التحالفات ، ويعرفون غيرها من دهاليز السياسة التي تحتاج إلى معرفة ومهارة . وحتى اذا اراد السياسي او المتبع للسياسة ان يترك السياسة فانه لا يستطيع تركها فهي معنا كل يوم بمعنى اخر ” ان الانسان سياسي بطبعه ” . وتتحكم السياسة في جميع مفاصل العالم ، والحديث عن السياسة ، وتحليل أحداثها ، سمة ألعديد من المجالس السياسية ولا يخلو هذا الحديث من الجرأة على تحليل السياسة ونقدها في اغلب الاحيان ، وربما تجاوز الأمر هذا الحد إلى ما هو أعظم في الجرأة على الممارسة السياسية ، و لا يمكن دخول المعترك ، دون الإلمام بقواعد العملية السياسية ودون معرفة اللعبة السياسية بدرجة كبيرة ومؤهلة.
والحديث عن اللعبة السياسية امر في غاية الاهمية والصعوبة في آن اخر , تصادفنا العديد من المفردات و المصطلحات السياسية ومنها اللعبة السياسية ويتفرع من هذا المصطلح ايضاً مفردات اخرى كلعبة توازن القوى او لعبة الدومنو وغيرها وان هذه المفردات تدل على معاني تخفي فيها مقاصد ودلالات واهداف دقيقة , وان عدم وضوحها لدى السياسي والقارئ يسبب له الكثير من عدم الفهم واللبس في فهم مقاصد الخطاب السياسي .
تظهر خلال الصراعات السياسية الدائرة بين القوى السياسية من اجل القوة والمصلحة بأن هناك لعبة سياسية , وان هذه اللعبة السياسية تغيرت وان قواعدها قد تغيرت ولم يكشف عنها بعد او ان هناك لعبة سياسية يتم التحضير لها وانها اكثر دقة ومهارة من اللعبة التي سبقتها , ويجب ممارسة اللعبة السياسية حسب اصولها , كل ما تقدم نقراهء ونسمعه على لسان المحللين السياسيين او حاكمين او على لسان شخصيات سياسية ومؤسسات حكومية وغيرها , حيث تحتل المركزية من الصياغة كلمتان الاولى ( لعبة ) والكلمة الثانية ( سياسية ) ومركبها ( اللعبة السياسية ) .
خلال الحديث عن الاحداث السياسية والمشاكل السياسية نطلع علىى عناوين هامة لاصناف ونماذج تسمى بـ( الللعبة السياسية )وذلك مثل لعبة العصا والجزرة ولعبة تصدير الازمات ولعبة حافة الهاوية ولعبة الدومينو ولعبة العجز وعجز القوة وغيرها الكثير ..ولكن دون شرح وبيان وتفصيل لماهية هذه العناوين ومضامينها وتطبيقاتها .
لكن السؤال مطروحاً هل هناك لعبة سياسية ؟ هل لها قواعد ثابتة ؟ ام هي قواعد متغيرة ؟ واذا كان هناك لعبة سياسية فهل لها علاقة بالمفهوم الدارج والمعروف لمعنى اللعب .
ان اللعبة السياسية لا تنطوي على هدف تفريغ الطاقة الزائدة كما هي نظريات تفسير اللعب العامة ولا هي عملية او ممارسة تكشف عن تاريخ التطور الانساني عبر معاناته في مواجهة الطبيعة , ومحاولاته للتكيف معها او التغلب عليها , كما هي نظرية اخرى في تفسير اللعب بالمعنى المألوف , ولا استجابة لمحفزات غريزية وعضوية ولا هي تمرين مدروس من اجل تنشيط الجانب العضلي لدى الانسان . ان اللعبة السياسية لعبة جادة بعيدة كل البعد عن الملهاة وبعيدة كل البعد عن البراءة ولا تمت بصلة لا من قريب او من بعيد الى الرهان الشفاف بل هي لعبة شيطانية لعبة ذكاء ورهان ومصير, ربما تسبب انهاراً من الدماء وربما تغير مسرى التاريخ وتهدم دولاً وتبني دولاً وربما تشل الحياة . اللعبة السياسية لعبة ليس كأي اللعب لعبة قد تكون اداتها القنابل الذرية , لعبة قد تكون اداتها ارقى المعادلات الرياضية او علوم الاولين والاخرين , لعبة قد تكون اداتها الفروج والنهود والخسران النحيلة لعبة قد تكون اداتها الآفيون والحشيش والمغامرات الدنيئة , أذن فان اللعبة السياسية ليس كأي لعبة .
اذا صح ان اللعب بالمعنى العادي المعروف يهدف الى تفريغ الطاقة الزائدة فأن اللعبة السياسية قد تهدف الى افراغ وطن من شعبه الاصيل واذا صح ان اللعب بالمعنى المعروف والمالوف يهدف الى تنشيط الحواس وبعث الحيوية في الروح وتهذيب شكل الجسم فأن اللعبة السياسية قد تهدف الى تشويه الاجسام وتحطيم كل انواع المناعة الصحية في الجسم البشري , واذا صح ان اللعبة بالمعنى المألوف والمعروف يتآتى استجابة لحوافز فطرية غريزية فأن اللعبة السياسية تخطيط وسهر وتنفيذ دقيق الاداء لتحقيق كل الاهداف .
اللعبة بالمعنى المعروف والمالوف قد يمارسها كبار كما يمارسها صغار لم يبلغو الحلم , ولكن اللعبة السياسية يمارسها عمالقة في السياسة وقد يكون في الحلبة شركات عملاقة ومعادلات رياضية معقدة بل وحى سحرة ومشعوذين رياضيون وفنانون واقتصاديون وماليون ومؤسسات عملاقة ايضاً . اذا كانت اللعبة بالمعنى المالوف والمعروف واضحة المعالم في اغلب الاحيان لها قوانينها المسماة والمتفق عليها وغالباً ماتمارس علناً ولاعبوها معروفون في اكثر الاحيان والاوقات فأن العبة السياسية تمتاز في اكثر الاوقات واغلبها بغموض المعالم ولاعبوها قد يكونون وراء الستار لسنين طوال بل ولعقود من الزمن , اللعبة السياسية لاتختزن هدفاً انياً بالضرورة بل هدفها بعيد وليس لها قوانين محددة ومشخصة بل يكون لكل لعبة قوانينها التي لا تتكرر.
خلاصة القول لابد لكل سياسي ان يعرف ماهي اللعبة السياسية واصول ممارستها وقواعدها وقوانينها من اجل تحديد مسارات الحركة السياسية لجانبه وان تكون محققة للمصلحة في النتيجة الاخيرة .