تتعالى بين الحين والآخر أصوات في الأوساط السياسية في ساحتنا العراقية، تفوح منها رائحة حنين بعضهم للعودة الى نظام البعث وحكمه ودمويته، إذ يحاول هذا البعض جاهدا تغيير مسار قانون المساءلة والعدالة، الى حيث تقتضي مصالحه او الى حيث أمره أسياده داخل البلد او خارجه. فنرى هؤلاء لايتوانون عن تقديم المقترحات بإلحاح شديد، وفق ماتمليه علهم أجنداتهم المحملين بها، ولايفوتهم اتباع وسائل الضغط والإكراه في طلباتهم، وقطعا تختلف وسائلهم هذه تبعا للشخص او الجهة المقابلة، فهم يمارسون الإكراه مع الكتل والأحزاب التي (على گد ايديهم) فيما يمارسون الضغوطات بأنواعها مع رؤساء المجالس الثلاث في البلد ولاسيما مجلس النواب، مستعينين لهذا بكل “تميمة تنفع أو لاتنفع”. فنراهم تارة يهبون مسرعين الى دول إقليمية.. وتارة يتجهون الى إقليم كردستان العراق، حاثين الحكومة هناك ومحرضين ساستهم على إثارة القلاقل والـ (مشاكسات) في أجواء الأوساط السياسية والاقتصادية لاسيما على الصعيد النفطي، ليؤول الوضع الى مآل يستخدمونه كورقة يظنونها رابحة في الضغط على حكومة المركز والبرلمان، لإقرار مايهوونه من قرارات، او لإجراء تعديل في بنود قانون المساءلة والعدالة ومواده وفقراته.
فعلى صدى رفع رئاسة مجلس الوزراء قانون المساءلة والعدالة الى مجلس شورى الدولة، ليأخذ طريقه الى مجلس النواب، يتردد على ألسن هؤلاء البعض أن تغييرات جذرية ستطرأ على القانون، وهم بين متفائل لما تؤول اليه وبين رافض إقرارها مبدئيا، أما المتفائلون فهم بعثيون قطعا وإن لم ينتموا، وهم لايزالون يكنون الولاء والانتماء والعشق والوله والولوع وأقصى درجات الحب، الى منظومة البعث التي حزنوا على انزلاقها في دهاليز سقوط سيدها عام 2003. إن هؤلاء لايستسيغون العيش وسط أنظمة ديمقراطية -ولو أنها مازالت تحبو سلحفاتيا في العراق- فهم يتنفسون هواء البطش والقمع والموت، حيث ترعرعوا ونشأت تركيبتهم النفسية على أجواء الدمار والهدم والدماء. أما الرافضون إقرار التغييرات والتعديلات على القانون فهم بدورهم ينقسمون الى قسمين؛ القسم الأول.. يشوب رفضه غزل ومحاباة لأخوانه المتفائلين بالتعديلات، المتبوئين مناصب ومواقع عليا في الدولة، فهو يريد أن يمسك العصا من الوسط ليكون قريبا من الطرفين، وليضمن مستقبلا المحافظة على مستواه السياسي والاقتصادي والاجتماعي في حالتي عودة البعث من عدمها.. فينطبق عليه إذاك مثلنا الدارج: (يامسعدة وبيتچ على الشط ومنين ماملتي يسبح گبالچ البط).
أما القسم الثاني.. فهم الرافضون رفضا قاطعا غير قابل للتراجع فيما يخص التعديلات المزعوم إجراؤها على القانون، وهم بحق يدركون أبعاد هذه التعديلات السلبية وعواقبها الوخيمة على البلاد والعباد، ومن المؤكد أنهم وضعوا نصب أعينهم كل سلوكيات أزلام منظومة البعث، تلك السلوكيات الشاذة التي كانت تنفذ بحق العراقي المسالم، وهو لاحول له ولاقوة على مجابهتها إلا بالامتثال لها طورا، او الهروب بالـ (عزيزة) خارج البلد طورا آخر، او مواجهة المصير المحتوم على يد زمر البعث في زنزانة انفرادية، او حوض تيزاب او على أعواد المشانق.
إن التعديلات التي يسعى هؤلاء الى إجرائها على قانون المساءلة والعدالة، هي إقرار وتأكيد للمرة الثانية وبإصرار شديد على شعار “عفا الله عما سلف”، وأظنهم نسوا او تناسوا حديث نبينا (ص): “لايلدغ المؤمن من جحر مرتين”.