20 مايو، 2024 2:40 م
Search
Close this search box.

اللحظة، نوع الفعل وقيمة الفرد

Facebook
Twitter
LinkedIn

ان الانسان لا يمكنه ان يبلور النضوج في النفس الواعية الا عبر نوع من التواصل مع فكرة الموت، وان الموت بالنسبة الى الفرد هو نهاية صلته بالزمن التقليدي، والزمن التقليدي من وضع ذكاء الانسان لتنظيم عملية التعايش في حياة الجماعة.
وان الله عز وجل، يكاد يخفي حقيقة الموت عن الانسان، لتجزي كل نفس بما تسعى، وبالتالي فأن الانسان يشعر بان الزمن التقليدي أبدي، وان حصل وعنّ الموت على البال عبر ما يفرضه تداعي الجسد الانساني، فأن فكرة استمرار وجود الانسان وامتلاكه لما يملك، تغدو عبر نسله في اطار التوريث، وان الواعي يعلم، ان الوعي الانساني ينتهي من صلته مع العالم المادي عند الموت، وعند الموت ايضاً يعاد توزيع ماكان يملكه الفرد على الاقربين في الجماعة، وانه بعد جيل او جيلين تكون الصبغة المادية للفرد الذي قضى قد انتهت تماماً من تواصلها مع عالم المادة، الزمن التقليدي.
و بالنسبة الى الانسان، فأن كل يوم ينقضي هو خطوة اخرى نحو الموت، بل ان كل لحظة تمر هي كذلك ايضاً، وبالتالي فاللحظة مهمة جداً في حياة الفرد، اذ قيمة العقل فيها هي قيمة الفرد كانسان، ومصيره كانسان اخذ اثقال الانسانية المحسوبة عليه، ولا شك ايضاً، فاللحظة من ثم هي المحور الذي يجب ان تدور حوله حياة الفرد في تواصله عبر الفعل مع الجماعة، والفعل منوط بالاخلاق، والاخلاق منوطة بالثقافة التي يعيشها الانسان. والثقافة، هي المثل والعادات وعمق الوعي بالمعرفة الانسانية وامكانية التعامل معها.
ان الحضارة الغربية المادية فصلت نفسها عن المسيحية، تعتمد في ترتيب مثلها وعاداتها وحضاراتها على فلسفة الوجودية وفلسفة العبث، وانه عبر الوجودية يبنى الانسان نفسه تراكمياً بالخبرة من خلال فعل الوعي الآني، أي صلة اللحظة بنوع الفعل وقيمته الوجدانية، ولأن فلسفة العبث تؤمن بأن القصد من الحياة هو عبث في عبث، هكذا فقد الفعل قيمته الوجدانية الجمالية وتحول الى مفهوم مادي يعتمد على الكسب والاحساس باللذة. وهكذا فاللحظات الخالية من الكسب المادي او اللذة، لحظات غائبة عن مفهوم الزمن، وبذا يتحول المفهوم التقليدي لتواصل الزمن الى زمن متكسر، اذ اللحظات التائهة الغائبة عن الزمن هي لحظات موت تقديري، لذلك يقدم اصحابها على استعادة التواصل مع الزمن غصباً عبر لذة الخمر ونشوة المخدرات وشبق الشذوذ وغرف الكسب المحرم من ظلمات الجريمة.
وان كثرت هذه اللحظات تغدو نوعاً من عذاب الموت رغم الحياة، فيقدم اصحابها على الانتحار ظناً منهم ان الموت المادي هو نهاية لعذاب الوعي الوجداني.
ان عالم المثل والعادات في الثقافة الاسلامية وحتى في بقية الثقافات الدينية الاخرى، حيث الايمان بالله واليوم الآخر وعمل ما هو صالح بالضرورة، هو محور الحياة، ويهدى نوره، تتبلور الافعال عبر اللحظات، وبما ان الايمان بالله سبحانه واليوم الآخر، وعمل الصالح هي الواسطة لدخول الفردوس بأذن الله، فاللحظة التي
ينبض عبرها الفعل الصالح في حالة اليقين بوجود الله عز وجل وضرورة التقيد بضرورته، ترتبط بأذنه سبحانه بحياة الفردوس، اي ترتبط بتواجد الوعي بعد الزمن التقليدي، وبالتالي فلحظة العمل الصالح تتزكى بالفعل وتنطلق من أسر الزمن التقليدي لتنبض في الزمن المطلق.
وان الفعل الأثيم يربط اللحظة بالزمن المطلق ايضاً ويشد صاحبها الى عالم الشر المعذب بظلام الضلال… وهكذا، فان ثقل العقل في حياة الانسان تطلق من قيد الزمن التقليدي ليعيش الزمن المطلق، وان الانتحار لا ينهي عذاب العقل المشوه بظلام الضلال.
تباً للمنتحر ما اجهله وما اظلمه، وعود على بدء، ما اقبل الانسان المستنير حيث اسقاط النور على درب يوجه الافعال لتربط لحظة الاداء بالأثر فيعيش الوعي جمال اليقظة لطيب الخلود.
ويجدر بنا في هذا الاطار ان ننتبه الى عاداتنا حيث اليقين بنبل الاداء، فاذا قلنا – الكريم والكرم- فالكريم هي احد الاسماء الحسنى، فاذا كانت عادة الكرم هي الاسراف على النفس والآخرين، قصد متعة البطر او لكسب مديح الناس واعجابهم، غدا الكرم تبذيراً، وان المبذرين اخوان الشياطين.
واذا كان الكرم هو البذل لذي القربى والمسكين وابن السبيل، غدا فعلاً صالحاً وتسامياً للخلق باخلاق الله بأذنه. وانه من سمو النضوج ان يسقط الواعي النقد البناء على العادات التي ورثها وصلتها بعالم المثل، فلعل في كثير منها مآخذ تقود الى الهاوية.
[email protected]

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب