23 ديسمبر، 2024 6:06 م

اللجوء معيشة امنة ودائمة لكنه ضياع للأخلاق والدين(1)

اللجوء معيشة امنة ودائمة لكنه ضياع للأخلاق والدين(1)

أُقاتلُ منذ شهرين، لتوليد السطر الأول من المكتوب، فأفشل بسببٍ شحّ الفكرة ونضوب الحرف والارتفاع الكاسر الذي وقع على منسوب الكآبة، لكن بعد عونٍ خفيٍّ من الله راحت الحروف تسيلُ على الشاشة بسلاسة ويسرٍ مبينٍ، واني اكتب بوقائع حقيقية عشتها بنفسي في غربتي، وأقول:
غادرت العراق بعينين مغرورقتين بالدمع الرقراق المسفوح على الوجنات وبحزن يعلوه جمرٍ ترك أخاديد على قسمات مُحيَاي الذي أتعبته السنون ليداعب ذاك الدمع الحارق لحيتي التي اكتست واتشحت بشيبٍ يضاهي بياض الثلج … مودعاُ قلبي كطائرٍ يتنقـَل هائماَ بين أرجاء العراق محلقاَ فوق دجلتها وغاباتها حدائقها وشلالاتها جامعاتها وكلياتها مقامات أنبيائها وأوليائها عُبَادها وزُهَادها أرجائها وأزقَتها محلاتها وهضابها وسهولها جبالها ووهادها فيافيها ووديانها، وفي أذني صدى كلمات الأغاني العراقية التراثية هائماَ على غير هدى تسوقني الأقدارُ في أرض الله الواسعة ترافقني دعوات عائلتي وقد أجهشتُ باكيا بين ذراعيهم وانا احضن ابنتي الصغيرة التي كم أنبت نفسي عندما تركتها وهي بحاجة لحناني، وحاولت بعدها كثيرا إقناعها ومعها زوجتي بالسفر معي إلا أنهم أصروا أن يحييوا في العراق ليموتوا ويوارى جثمانهم في ثرى بغداد الحبيبة فسألتهم هل إلى لقاءٍ من سبيل ؟
أجابوا إن لم يكن اللقاء في هذه الدنيا التي أصبح كل فردٍ من العائلة تحت نجمة إنطلاقاً من العراق وحتى أوربا فسنجتمع بين يديَ الله أعدل الحاكمين لنشكو إليه ظُلم مَنْ شَتت شملنا وفرق جمعنا كما فعل بكل أهل العراق ومزقهم شر مُمزق فامضي حيث يشاء الله مصحوباً بدمع العين والدعوات التي تخترق عنان السماء ونستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه وهكذا انطلقت تسوقني الأقدار سَوقاً.
ما من طرفةُ عينٍ تمرُ بي حتى يشدني الشوقُ إلى العراق ويسرح بي الخيال لأستفيق على سيلٍ عارمٍ من التساؤلات ذات اليمين وذات الشمال.
أقول: إني لم أعُد اسكن العراق لكن العراق وبخاصة بغداد وازفتها تسكن في قلبي وتسري في دمي، وفي خافقي وحدقات عيوني وسأبقى وفياً لأهلي ومدينتي وبلدي وقضيتي وهويتي شاء من شاء وأبى من أبى.
ان الجموع الغفيرة العربية والإسلامية تتجمع أمام السفارات الأمريكية والأوربية ومنهم العراقيين، ليس فقط خوفاً من العصابات والمليشيات وداعش، وإنما ما هو مستقبل هذه الدول التي تشتد فيها حروب ومعارك طائفية ليس لها نهاية، والخراب الذي حل في مدنها والذي لا يعاد بنائها إلا بقدرة قادر، وليس فقط الإعمار وإنما ما زرعته هذه المعارك من فكر طائفي شرير يحرق الأخضر واليابس، وكل طرف يتمسك بالمفاهيم العدوانية التي تقضي على الآخر، كل هذا زرع من قبل دوائر تشرف عليها مؤسسات خصصت لنشر المفهوم العنصري والطائفي؛ لتفكيك الروابط الأسرية والوطنية، والذي حصل في أمتنا العربية والإسلامية من كوارث وعلو الصوت الطائفي هو المطلوب، الاقتتال بين ابناء الوطن الواحد والذي راح ضحيته الكثير ويستمر الذبح على الهوية، وعدم وجود قيادات تؤمن بوحدة المواطنة، والحفاظ على القيم ومبادئ الدين الاسلامي جعل مرض الطائفية ينتشر ولا يتوقف.
وتحول الإرهاب إلى قرار سياسي يسوقه الإعلام بصرف النظر عن الشواهد والممارسات العملية، بحيث صار الإرهاب هو كل من قالت عنه السلطة ذلك وروجت له الأبواق الإعلامية، وقد حضرت صدفة ندوة عن التطرف في لندن، وحين تباينت تعريفاته فإن أكاديميا أيرلنديا متخصصا في الشرق الأوسط قال في نهاية المطاف ان المتطرف أو الإرهابي في العالم العربي هو كل من لا ترضى عنه السلطة!
لقد أصبح السني يذبح الشيعي تحت راية الجهاد الأكبر والشيعي يذبح السني تحت راية الجهاد الكفائي وباقي الأقليات ضاعت بين الجهادين وعندما تسال يقولون ان المرجعيات بكافة اشكالها وطوائفها اوصت بالتعايش السلمي بين العراقيين والعراق تدمر سابقا على يد مرجعية البعث ومرجعية الدين المتطرفة حاليا.
إنّ فراغ هذه الدول من ابنائها وكوادرها العلمية والثقافية والفنية والمستثمرين جعل هذه الدول تقاد من قبل ميليشيات وعصابات وأشخاص يؤمنون بالتوجه الطائفي أكثر من إيمانهم بالوطن، وهذا ما يحدث اليوم في العراق الذي يتقاتل نوابه على الحصص الوزارية والنفوذ والمال، متناسين الملايين من ابناء الوطن يعيشون نازحين في الصحارى والغربة والقتل والتشريد والتهديد، ويتجمعون امام السفارات الأوربية لطلب اللجوء والفرار من وطن خيره لغيره، يتحكم به من لا يريد الخير له ولأبنائه.
إن المهاجرين إلى أوروبا الفارين من نير الحروب العبثية، قد تضاعف هذا العام (2014)، فحسب أرقام هيئة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، إن أرقام اللاجئين غير القانونين الذين دخلوا لأوربا وغيرها قد وصل هذا العام إلى أكثر 220 ألف لاجئ، لا يدخل في الرقم من لم يصل إلى اليابسة وغرق في البحر أو اختنق في صهاريج سيارات الشحن او البرادات! معظم هؤلاء من منطقة الشام والعراق وشمال أفريقيا.
استحي من كوني عراقي  وانأ أرى الشعب العراقي منقسماً إلى طرفين عنيدين لا يقبلان التنازل بينما القتلى يتهاوون كل يوم بالعشرات،  اخجل من كوني عراقي وانأ أرى التعصب الديني والسياسي والمذهبي والطائفي والحزبي والعشائري قائماً بآفاته بين العراقيين، اتوارى عن الانظار من كوني عراقي وانأ أرى بان العراقي تحول إلى دمية متحركة مسيرة ضمن عصابات ومليشيات متناحرة، اشعر بألم من كوني عراقي عندما أرى العراقي بات متعصباً لسياساته وعشيرته ومذهبه وقوميته أكثر من تعصبه لوطنه، وجهي يحمر من كوني عراقي عندما يرضى العراقي بان يكون عبداً لشخص واحد وليس لقضية وطنية، اشعر بالضجر من كوني عراقي عندما يتهم العراقي اخوه العراقي بالخيانة والعمالة لمجرد أن له رأيا يخالفه، اشعر بالذنب من كوني عراقي عندما يستخدم الأعلام العراقي للتحريض وليس لإيجاد الوحدة وأوجه التشابه بين مختلف العراقي, اشعر بالأحراج من كوني عراقي عندما ينسف العراقيون الحوار ويدعون الدعوة إلى التحاور, اتوقف بالم عندما اشاهد كيف لعب الإعلام الطائفي دورا ً بارزا في إضفاء اللباس الطائفي على المجتمع، الذي عززه الإعلام الشعبي (الفيسبوك)، الذي دخل إلى عمق البنية الاجتماعية، مع ذوبان لغة الحوار والفكر أمام لغة الدم والقتل على معايير وأسس مذهبية، اندهش من كوني عراقي عندما يعاند العراقي ويكابر عن غير حق ويبقي الخاسر أولا، نفسي تنقبض من كوني عراقي عندما أرى زيف عراقيتك أيها السياسي المنافق, اشعر بالاضطراب من كوني عراقي عندما اجد عراقي يقتل اخوه العراقي، ولكنني دائماً قلتُ وسأعيد، كم هي قويه عراقيتي.
وعلى المسلم ان لا يلتفت لبعض الموتورين سيء النية؛ الذين يجعلون من اللجوء ربيع دائم وخضرة عامرة ويرسمون للمستقبل افاق تكاد تكون نرجسية وكما فعلوا بي، واني اضع في ميدان رؤية أي شخص يفكر باللجوء جملة أمور عليه التوقف عندها وتأملها ودراسة اثارها قبل التفكير باللجوء، وادونها في ادناه:
وسنورد الجزء الثاني من مقالتنا في المقالة اللاحقة انشاء الله.