لديّ كما لدى كل العراقيين حساسية مفرطة من كلمة لجنة ومشتقاتها !!, ويأتي هذا التحسس والخوف مبررا جدا فمنذ أن فتحنا أعيننا على الدنيا ونحن مصابون بمرض مزمن لا شفاء منه اسمه ( اللجان ) !!. لازلت اتذكر المرة الاولى التي سمعت بها كلمة لجنة حينما تم تسجيلي وأنا ابن الخمس سنوات في روضة الاطفال القريبة من بيتنا وقتها قالت احدى المعلمات اللواتي استقبلن الاطفال مرحبا بكم في روضتنا ونحن لجنة استقبال الاطفال في خدمتكم , وبعدها شاهدت بعيني كيف أن أعضاء لجنة الاطفال كانت تأخذ يوميا نصف الفواكه المخصصة لنا من الدولة بأكياس سوداء الى بيوتهم!!.
ثم كبرنا قليلا ودخلنا الابتدائية وصرنا نعرف لجنة الطلائع, ثم لجنة الفتوة ثم توالت اللجان المختلفة المتشعبة , مثل لجان البلدية في كل حي سكني ,ولجان الدفاع المدني واللجان التحضيرية لعقد أي مؤتمر في ذاك الوقت حتى وصل الامر الى لجان الاعدامات ( سيئة الصيت ) خلف الجنود العراقيين في الحرب العراقية الايرانية واخرها اللجنة الاولمبية التي صارت بعهد عدي معتقلا للتعذيب والتصفية الجسدية, ولما سقط النظام بسنة 2003 تصورت أن تلك اللجان ولت والى الابد ولكن لم تمض اياما حتى بدأت تظهر ملامح تشكل لجان جديدة بأسماء مختلفة لكن بنفس الاهداف والتوجهات.
وصرنا نسمع عن لجان جديدة كأنها تتناسل فيما بينها لتفريخ لجانا ببطن لجان, وصرنا نعرف انك لو اردت تمييع أي قضية وقتلها فما عليك سوى تأليف لجنة لذر الرماد في العيون, ومن ثم أقرأ الفاتحة عليها ونسيانها للأبد وهذا ما يحصل في كل مرة نعاني منها من مصيبة او كارثة , فصارت اللجان وسيلة للتهرب من الحقيقة ولقتل الوقت وضياع القضية برمتها, وما اللجان التي تشكلت مثل لجنة جريمة سبايكر ولجنة سقوط المحافظات بيد داعش الا مثالا حيا على ذلك, وصارت نفسها الامم المتحدة تقتبس افكارنا في تكوين اللجان للضحك على الشعوب المقهورة مثل لجنة تقصى الحقائق في جرائم اسرائيل وجرائم بورما وغيرها الكثير. وفي خضم زحمة اللجان المزدحمة طلعت علينا هذه الايام لجنة جديدة اسمها لجنة المرأة تشكلت في بعض دوائر الدولة, دونما أن نعرف اهدافها وتوجهاتها والضوابط التي قامت عليها ؟؟, وطبعا كلنا نعرف اهمية دور المرأة المفصلي في أي عمل وانا اول من كتبت في هذا التوجه, لكن الريبة في تشكيل لجنة للمرأة في دوائر الدولة دون قانون ينضم عملها وتوجهاتها ودون تمويل واضح لنشاطاتها يجعلها بالتأكيد وسيلة مكشوفة للتحايل والتلاعب واستدرار عواطف الموظفات باتجاه معين, من خلال تسيس تلك اللجنة باتجاه التعاطف مع مسؤول الدائرة الذي سمح بتشكيل اللجنة النسوية للحصول على الدعم والاصوات والابواق التي تلمع صورته وتنشر أخباره وتشهد بانجازاته , والا بماذا نفسر عدم وجود أي نشاط علمي او ثقافي او مجتمعي لآي لجنة مرأة في أي دائرة ؟؟, بل تابعنا عن قرب وكثب أن منتهى أهداف تلك اللجنة الظهور مع السيد المسؤول امام الكاميرات في مناسبة ومن دونها, وطريقة رخيصة للنفاق الوظيفي المكشوف للوصول الى اي كرسي تسيل له لعاب البعض منهن, مما يكشف سذاجة القائمين على تلك اللجان وتوجهاتهم, بل اكتشفنا ان لجنة المرأة ماهي الا عبارة عن منبر اعلامي لحال السيد المسؤول لأشاعة قناعاته وتوجهاته ولتبني افكاره وبذا تعتبر حزبا متكتلا ذات توجهات واضحة داخل تلك الدائرة وهذا ما يحرمه القانون.
لا أعرف لم وانا اكتب عن لجنة المرأة تذكرت اتحاد النساء في التسعينات وفعالياته ومؤتمراته التي كان هدفها تمجيد القائد والحزب والسلطة فقط دون أن يبحث الاتحاد عن حلول حقيقية لمشاكل النساء وهمومهم وتطلعاتهم المشروعة بل تحول الى لسان حال الحزب الحاكم والرقص على أنغام السلطة انذاك بل وحتى الوشاية لكل رجل يعارض النظام ولو بقلبه !!.
ولشدة كرهي لكل ما له صلة باللجان, فقد اصدرت لجنة البيئة في المحافظة مرة, قرارا يقضي بأن أكون عضوا في لجنة أبادة الكلاب السائبة في المدينة على الرغم من عدم وجود اي عداوة سابقة بيني وبين اي كلب محترم في المدينة, فلا وجود لأي شبه بيننا, بل غالبا ما كنا نتبادل الاحترام المتبادل والاماني الطيبة, دونما عض أو خربشة !!.
تحية للمرأة الام العاملة المكافحة, والمرأة التي ربت وكبرت وقاتلت جنبا الى جنب مع الرجل وضحت بابنها أو أخيها أو والدها في سبيل الوطن, وتحية لكل طبيبة ومهندسة ومعلمة وموظفة تؤدي عملها على أحسن وجه, غايتها ارضاء ضميرها ,لا تبحث عن كسب ود المسؤول ولا تهرول خلف المناصب, بل المنصب هو من يبحث عنها ويسعى لها.
سنقف اجلالا واحتراما لكل من احتلت منصبها بكل جدارة دون أن تضطر الى الظهور مع المسؤول في كل المناسبات , بل فقط لتكرار نفس المشهد القبيح المرسوم في ذاكرتنا لتلك النساء الوصوليات اللواتي تلون كثيرا مع أي سلطة حاكمة فقط من اجل الظهور والتشبث بأي منصب حتى لو كان مسك موبايل السيد المسؤول لحين الانتهاء من اجتماعه !!.