12 يونيو، 2025 11:33 ص

اللجان الاقتصادية للأحزاب الحاكمة: شبكات الفساد التي تُغذي (الانتخابات) العراقية بأموال المناقصات المشبوهة؟

اللجان الاقتصادية للأحزاب الحاكمة: شبكات الفساد التي تُغذي (الانتخابات) العراقية بأموال المناقصات المشبوهة؟

اذا اردنا ان نعرف حقيقية المعنى الذي يتخفى وراء “المكاتب أو اللجان الاقتصادية” (1) فانها عبارة عن هياكل غير رسمية أنشأتها الأحزاب (العراقية) المتنفذة وبعض الميليشيات بعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، بهدف السيطرة شبه التامة على جميع الموارد المالية للوزارات والدوائر والمؤسسات الحكومية التي تُخصص لها بموجب نظام حكم المحاصصة الطائفية.

في قلب المنظومة السياسية العراقية، تتربع اللجان الاقتصادية التابعة للأحزاب الحاكمة كأدوات خبيثة لنهب المال العام وتلويث ما تسمى أو ما تبقى من بصيص امل بـ (العملية الديمقراطية) هذه اللجان، المتغلغلة في كل مفصل من مفاصل الدوائر والمؤسسات بالوزارات، ليست سوى أذرع طفيلية تُشرف على المناقصات والعطاءات والمشاريع الاقتصادية بشكل شكلي، لتُحيلها إلى شركات وهمية أو شخصيات متنفذة، وتستحوذ على نسب مالية ضخمة تُغذي خزائن الأحزاب السلطة الحاكمة . وهذه الأموال تُعاد تدويرها بعد ذلك ويتم استغلالها في الحملات الانتخابية، لتمويل مرشحي الأحزاب, مما يُحوّل الانتخابات إلى مجرد مسرحية هزلية بائسة تُكرس هيمنة الفاسدين وتُجهض كذلك ما تبقى من أحلام العراقيين في التغيير الحقيقي . إن هذه (اللجان) ليست مجرد أدوات إدارية لتعزيز مبدأ الشفافية والنزاهة ومراقبة اداء عمل الوزير ، بل هي في حقيقة الأمر ليست سوى شبكات فساد منظمة تُهدد أمن العراق واستقراره، وتُحوّل ثرواته إلى وقود لشراء الأصوات وتكميم أفواه الشعب.

أن اللجان الاقتصادية هي هياكل غير رسمية , ما هي إلا أذرع الفساد في الوزارات أنشأتها الأحزاب الحاكمة، خاصة تلك المنضوية تحت ائتلاف ادارة الدولة والإطار التنسيقي وبعض الفصائل المسلحة، للسيطرة على الموارد المالية في الوزارات. هذه اللجان، التي تُشكلها الأحزاب داخل الوزارات مثل النفط، التجارة، الصناعة، والشباب، تُدير المناقصات والعقود بطريقة تضمن توجيهها إلى جهات موالية، مقابل نسب مالية تُدفع إلى خزائن الأحزاب. وأن هذه اللجان تُراقب أداء الوزراء ومدى التزامه بتعليمات التي تصدرها هذه اللجان وفي حالة العبث او الرفض فيتم اقالة الوزير فورآ واستبداله باخر  ، وتدرس العقود والمشاريع قبل إحالتها، وتُحدد النسبة التي يحصل عليها الحزب، والتي قد تصل إلى 30% من أرباح المشروع ؟.

وهذه اللجان ليست حكرًا على وزارة بعينها، بل تتواجد في كل الوزارات الخدمية والاقتصادية، حيث تُشكل شبكة موازية تُسيطر على القرارات المالية والاقتصادية. وإلى أن هذه اللجان تُشرف حتى على توزيع حصص من ميزانية الدولة عبر اللجنة المالية في مجلس النواب منذ الحكومات السابقة، وقبل أن تُختصر في عهد رئيس الوزراء المستقيل “عادل عبد المهدي” على كتلتين رئيسيتين.

وفي نمط فج من الفساد، غالبًا ما يُرأس هذه اللجان قيادة عائلية من أقرباء زعماء قادة الأحزاب، مما يُظهر كيف تُحوّل الأحزاب الوزارات إلى إقطاعيات عائلية. والمناقصات والمشاريع الاقتصادية التي تُعلنها الوزارات ليست سوى مسرحيات هزلية تهدف إلى تبييض الفساد. هذه العملية تتم عبر الخطوات التالية:
إعلان شكلي: تُعلن الوزارات عن مناقصات لمشاريع كبرى، مثل إعادة إعمار البنية التحتية أو استيراد المواد الأساسية، لكن الفائز يُحدد مسبقًا بناءً على ولائه للحزب الحاكم أو دفع رشاوى مسبقة . وتُمنح العقود لشركات وهمية أو شركات تابعة لشخصيات متنفذة، حتى لو لم تستوفِ الشروط الفنية أو القانونية. وإلى أن اللجان الاقتصادية تُحكم قبضتها وسيطرتها الفعلية على ملف الاستثمار، مما يعرقل بالتالي تفعيل بنود  قانون الاستثمار رقم 13 لعام 2016. وتفرض اللجان نسبًا مالية (10-30% من قيمة العقد) تُدفع إلى الحزب كمقابل إرساء المناقصة. هذه الأموال تُستخدم لتمويل الحملات الانتخابية، بما في ذلك الإعلانات الباذخة وشراء أصوات الناخبين.

وغياب الشفافية ونزاهة المناقصات والعطاءات بأنه لا يتم نشر تفاصيل العقود أو معايير اختيار الفائزين، مما يُتيح للأحزاب التلاعب بالمناقصات دون رقابة ومحاسبة. وأن هذه اللجان تُسهم في فساد المؤسسات العامة والوزارات ، مما يُعيق أي إصلاح اقتصادي. وبما ان الأموال الناتجة من هذه المناقصات المشبوهة تُشكل الوقود الرئيسي لتمويل مرشحي الأحزاب الحاكمة في الانتخابات البرلمانية. هذه العملية تتم عبر:
الحملات الدعائية الباذخة وتُستخدم الأموال لتمويل إعلانات ضخمة على القنوات الفضائية، ملصقات تملأ الشوارع، وحملات منسقة على جميع وسائل التواصل الاجتماعي، مما يُعزز هيمنة الأحزاب الكبرى. وبالتالي أن الأحزاب المتنفذة تستغل هذه الأموال لتأمين مقاعد برلمانية لمرشحيها. بالاضافة الى شراء الأصوات من خلال توزيع مواد عينية وكذلك تُستخدم الأموال لشراء بطاقات الناخبين، هذا الابتزاز المالي يستهدف المناطق الفقيرة، مستغلاً حاجة وعوز وفقر المواطنين. ومن خلال دعم المرشحين الموالين لـ الأحزاب تُرشح مرشحين يُشكلون واجهة لمصالحها، وتُموّلهم بأموال المناقصات لضمان وصولهم إلى البرلمان، حيث يُواصلون خدمة مصالح الحزب وادامة شبكات الفساد.

إن تأثير اللجان الاقتصادية ما هو إلا منفذ لتدمير الديمقراطية والاقتصاد وان استفحال هذه اللجان لها تداعيات كارثية على العراق ومن خلال تلويث الانتخابات وتمويلها بالأموال المغسولة تُلحوّل الانتخابات إلى بازار وسوق لشراء النفوذ، حيث تُسحق الكفاءات المستقلة تحت وطأة هذه الاموال وبالتالي اجبار المرشحين المستقلين على الالتحاق بالأحزاب الكبرى بسبب هذا التفاوت المالي الكبير فيما بين المرشحين المستقلين ومرشحين الأحزاب. والأموال التي تُستحوذ عليها اللجان تُحرم العراق من مشاريع تنموية حقيقية، بينما يُعاني المواطن من انقطاع الكهرباء، نقص المياه، والبطالة وانعدام الأمن الغذائي له. ولان سيطرة اللجان على الوزارات تُكرس ثقافة الفساد، حيث تُصبح المناقصات أداة للتربح بدلاً من خدمة الشعب. وأن هذه اللجان تُشكل اشبه بـ “ميليشيات اقتصادية” تُوزع الغنائم وفق المحاصصة.

إن الدعوة للتصدي واستئصال هذه الشبكات الطفيلية ولمواجهة هذا الوباء الاقتصادي والسياسي، يجب اتخاذ إجراءات فورية وحاسمة وجريئة وعلى سبيل المثال وليس الحصر ومن خلال العمل على : تفكيك اللجان الاقتصادية وإصدار تشريعات تُجرّم عمل هذه اللجان، مع محاسبة قادتها و تجريدهم من مناصبهم.
وكذلك من خلال شفافية ونزاهة طرح المناقصات والعطاءات ونشر تفاصيل العقود والمناقصات علنًا، مع إشراك منظمات محلية وحتى دولية في الرقابة على عملية الإحالة. والاهم والمهم دور ومحاسبة القضاء ومن خلال فتح تحقيقات فورية في المناقصات المشبوهة او التي تطالها الفساد ، مع معاقبة المتورطين بغرامات وسجن طويل الأمد. وكذلك العمل على توعية المجتمع ومن خلال البرامج التثقيفية على وسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني كشف هذه الشبكات، وحث الناخبين على دعم المرشحين المستقلين ورفض الإغراءات المالية.

في ظل نظام المحاصصة الطائفية البغيض، الذي يمزق أوصال العراق، تحوّل الوزراء إلى مجرد دمى بيد الأحزاب الفاسدة، ينظرون إلى الوزارات كغنائم حرب ينهبونها بلا خجل، لا كأمانة لخدمة الشعب أو تحسين معيشته المنهارة. هؤلاء الوزراء، المرشحون بعناية من أحزاب السلطة، أنشأوا مكاتب اقتصادية خبيثة، تُشكل أذرعًا طفيلية تُحكم قبضتها على التعيينات والإنفاق العام. هذه المكاتب، التي تُدير المناقصات والعطاءات بمسرحيات شكلية، تُحيل العقود إلى شركات وهمية أو شخصيات متنفذة، لتُغرق المشاريع الخدمية في مستنقع الرداءة والفشل. نتيجة هذا الفساد المقنن، تُنجز المشاريع بجودة هزيلة، تفتقر إلى أدنى معايير النوعية، تاركة المواطن العراقي غارقًا في العوز والحرمان، بينما تُحوّل ثروات البلاد إلى جيوب الأحزاب لتمويل حملاتها الانتخابية. وتُذل الكفاءات المستقلة وتُكمم أفواه الشعب. إن استمرار هذه الممارسات يُهدد بتحويل العراق إلى ساحة لنهب الموارد وتدمير ما تبقى لهم بامل (الديمقراطية) لان العراق يستحق برلمانًا يعكس إرادة شعبه الحقيقية، لا مصالح تجار الفساد. فلنقاوم هذه الشبكات الطفيلية بالشفافية، المحاسبة، وصوت الشباب الواعي ومن خلال صناديق الاقتراع، لاستعادة ما تبقى لنا من وطن يليق بتضحيات أبنائه.

[email protected]

(1) 

https://www.alaraby.co.uk/politics/%D9%85%D9%83%D8%A7%D8%AA%D8%A8-%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B2%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D9%86%D8%A7%D9%81%D8%B0-%D8%AA%D9%85%D9%88%D9%8A%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%86%D8%B4%D8%B7%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D8%A9

تحدّث مسؤول عراقي رفيع في بغداد، لـ”العربي الجديد”، عن معلومات وصفها بـ”الخطرة”، تسللت من تحقيقات هيئة النزاهة، ولجنة أبو رغيف، تتضمن اعترافات ووثائق تشير إلى أنّ 80 في المائة من قضايا الفساد في كل من وزارات الاتصالات والدفاع والداخلية والصناعة والتربية والصحة والتعليم العالي وهيئة الاستثمار ودائرة التقاعد وشركات الدفع الإلكتروني، كانت ضمنها نسبة عمولة مباشرة أو غير مباشرة تقاضاها زعماء أحزاب وكتل بارزة في العملية السياسية. وأضاف أنّ التحقيقات والبحث أوضحا بشكل جلي، أنّ في كل وزارة عراقية مكتب حماية مصالح حزب أو كتلة تعمل على ضمان عمولتها ومصالحها وحصتها في الدرجات الوظيفية التي يتم الإعلان عنها سنوياً”، مؤكداً أنّ “حسابات سياسية معروفة تجعل من المستحيل التعمّق بالتحقيقات والاكتفاء بإصدار الأحكام بحق من تم اعتقاله”. وكشف عن أنّ وفداً عراقياً تحقيقياً سيغادر إلى العاصمة اللبنانية بيروت في الفترة المقبلة لاستكمال التحقيق في ملفات عدة، حيث كانت بنوك لبنانية وسيطاً لدفع رشى وعمولات لمسؤولين وساسة عراقيين طيلة السنوات الماضية.